تواصلت أمس الاعتصامات والتجمعات في عدد من المناطق اللبنانية تضامناً مع غزة في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر عليها منذ السبت الماضي، وكانت أبرزها تلك التي أقيمت في الضاحية الجنوبية لبيروت تلبية لدعوة الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله، الذي توجه الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مطالباً ومناشداً إياه بذل جهد فوق العادة ولعب دور مركزي باعتباره رئيساً توافقياً لعقد القمة العربية"لأن هناك من يعمل على منع عقدها"وتعطيلها لحسابات أخرى. راجع ص 7 وبدا نصرالله في خطابه أمس أكثر هدوءاً في كلامه عن مصر بخلاف النبرة العالية التي سيطرت على خطابه أول من أمس، مستغرباً اتهام"بعض الشتامين"ل"حزب الله"بقصف السفارة المصرية في بيروت، مؤكداً انه من الطبيعي جداً ان يكون"حشدنا أمام السفارة، لكننا تعمدنا عدم الذهاب الى هناك لأننا نتفهم وندرك بعض الظروف الخاصة ولا نريد ان يدخل أحد على الخط، ونحن نقوم بتحرك سلمي ومطالبة سلمية لتغيير الموقف المصري لكننا لسنا في صدد الاعتداء على أحد". إلا ان دعوة نصرالله أول من أمس"ملايين المصريين"للنزول الى الشارع ومناشدة القوات المسلحة ورجال الشرطة فتح معبر رفح لفك الحصار عن غزة، قوبلتا برد فعل مصري عنيف عبّر عنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط من أنقرة في أثناء مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي علي باباجان، مع انه لم يشر صراحة الى الأمين العام ل"حزب الله". وقال أبو الغيط"ان هذا الشخص لا يعي من أمره شيئاً وإن هذه القوات المسلحة المصرية هي قوات شريفة للدفاع عن مصر، وإن كان لا يعي ذلك فإنني أقول له هيهات لأن هذه قوات مسلحة شريفة وقادرة للدفاع عن هذا الوطن ضد أمثالك"، وخاطب أبو الغيط نصرالله قائلاً:"أنت ترغب في الفوضى في هذا الإقليم خدمة لمصالح ليست لمصلحة أهل الإقليم". وأضاف ان"أحدهم ممن تحدثوا بالأمس طالب شعب مصر بالنزول الى الشارع وإحداث حال من الفوضى في مصر مثلما خلقوا هذه الفوضى في بلادهم". وتجنّب نصرالله الرد على أبو الغيط، فيما حمل على"الشتامين"الذين ظهروا على شاشات بعض الفضائيات العربية، مشدداً على دور الرئيس اللبناني في عقد القمة من دون التأثر بحسابات سياسية، لأن الموقع اللبناني يجب ان يكون مع شعب غزة من دون حسابات، خصوصاً أنه يملك من موقعه الذي كان فيه على رأس قيادة الجيش، تجربة لبنان في المقاومة المنتصرة في حرب تموز. وإذ حمل نصرالله على الإدارة الأميركية ومشروعها للسيطرة على المنطقة، وتثبيت إسرائيل قوة عاتية، قال إن هذه الإدارة لا يعنيها الطرف الذي يحكم في غزة أو في أي بلد بمقدار ما يعنيها برنامجه السياسي وموقفه من إسرائيل والولايات المتحدة. ودعا الدول العربية الى بذل الجهود"حتى لو لم تنعقد القمة"لفك الحصار عن غزة ووقف العدوان، ولفت الى ان من يحسم الموقف على الأرض هو الوضع الميداني، وقال ان المعركة معركة وقت والإسرائيلي لا يستطيع ان يتحمل وقتاً طويلاً وأن مصير غزة لن يكون إلا النصر وطالب"بالبقاء على الجاهزية العالية لتلبية أي نداء أو قرار". وجاء كلام نصرالله عشية عقد جلسة مجلس الوزراء اليوم برئاسة رئيس الجمهورية وعلى جدول أعمالها بند رئيسي يتعلق بالموقف اللبناني الرسمي من العدوان على غزة ومن دعوة قطر الى عقد قمة عربية طارئة الجمعة المقبل في الدوحة لاتخاذ موقف عربي موحد. وأكد سليمان مساء أمس، اثناء استقباله ممثل السلطة الفلسطينية في لبنان عباس زكي على رأس وفد فلسطيني موحد تأييده"المسعى لعقد قمة عربية طارئة في أسرع وقت"، وقال إنه أبلغ ذلك الى أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يوم السبت الماضي. وأشار سليمان الى انه اتفق مع السنيورة على عقد جلسة لمجلس الوزراء"كي يكون الموقف على مستوى السلطة الإجرائية موحداً في التضامن مع غزة وسنحمّل وزير خارجيتنا هذا الموقف الى القاهرة". وأثنى على جهود الفصائل الفلسطينية في منع تحول تحركات التأييد مع غزة إخلالاً بالأمن واعتداءاً على السفارات، لافتاً الى ان"هذا ما تطلبه إسرائيل وما بدأنا نلمسه تحديداً، وهذا ما نرفضه نحن". وفي هذا السياق، علمت"الحياة"ان لبنان مع حضور وزير الخارجية فوزي صلوخ لاجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي يُعقد غداً في القاهرة والذي سيتقرر في ضوء نتائجه مصير القمة في ظل الانقسام العربي على عقدها. وقالت مصادر وزارية ان الموقف اللبناني من العدوان على غزة كان أمس موضع مشاورات مفتوحة بين رئيسي الجمهورية والحكومة من جهة ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يرعى بعد غد الخميس الاجتماع الطارئ لاتحاد البرلمانيين العرب الذي يعقد في"قاعة باسل الأسد"في صور. وأضافت المصادر نفسها ان كل فريق في الحكومة انصرف ليل امس الى عقد جلسات تشاورية بغية بلورة موقف لبناني رسمي موحد من العدوان على غزة، ومن القمة العربية الطارئة يصدر اليوم عن مجلس الوزراء، مؤكدة ان ما يهم لبنان هو الحفاظ على التضامن العربي في ظل الظروف الدقيقة التي تمر فيها المنطقة والتشديد على أهمية التماسك الداخلي وعدم التفريط فيه، باعتباره صمام الأمان الذي يحمي السلم الأهلي ويقطع الطريق على من يحاول استغلال العدوان على غزة لتهديد الاستقرار بذريعة استخدام أرض الجنوب للرد على إسرائيل. وأشارت المصادر نفسها الى ان لبنان يقف ضد الانقسام العربي ولا يحبذ سياسة المحاور، مشيدة بالمواقف الهادئة لجميع الفصائل الفلسطينية، المنتمية الى منظمة التحرير أو إلى قوى"التحالف الفلسطيني"وتقديرها الوضع الدقيق للبنان وعدم استعدادها الطلب إليه ما لا طاقة له به. وغابت المواقف المحلية اللبنانية من خطاب نصرالله أول من أمس، خصوصاً من جانب قوى"14 آذار"التي اجتمعت أمانتها العامة وأصدرت بياناً اعتبرته مصادر رئيسة فيها أنه رد عملي على ما ورد على لسانه من اقتراحات، وعزت السبب الى انها تتعارض في الأساس معها. وأكدت المصادر ان قوى 14 آذار فضلت عدم الدخول في سجال مع نصرالله رغبة منها في الحفاظ على التماسك الداخلي، لكنها اقترحت حلولاً بخلاف ما اقترحه، لا سيما بالنسبة الى تمسك الأكثرية بمشروع السلام العربي الذي يشكل المدخل الأساس لحشد الدعم الدولي للجم التطرف الإسرائيلي ووقف العدوان على غزة، واستعادة وحدة الشرعية الفلسطينية والقرار الفلسطيني ونبذ سياسة المحاور والتأكيد على التضامن العربي ورفض المتاجرة بالدم الفلسطيني والتي تقوم بها جهات تسعى الى الصفقات السرية والعلنية مع إسرائيل.