مقارنة بالسنوات السابقة، لم يكن عدد الراحلين السينمائيين هذه السنة كبيراً، ومع هذا هناك خسارات حقيقية لبعض كبار الفن السابع، في البلدان العربية وفي العالم... وهي خسارات يمكن التوقف عند ثلاثة منها في شكل أساسي. هناك أولاً، مخرجنا العربي الكبير يوسف شاهين، الذي غادر عالمنا في الصيف الفائت، بعد صراع مرير مع المرض دام سنوات طويلة، لم تهدأ خلالها كاميراه بل راح يصور فيلماً بعد فيلم، وكأنه كان يريد أن يترك وراءه أكبر عدد منها. طبعاً لا يمكن لعجالة، أن تقول الكثير عن يوسف شاهين، بل ربما لا نكون في حاجة الى ذلك، بعد كل ما كتب وقيل عن صاحب"المصير"وپ"العصفور"وپ"الأرض"وپ"باب الحديد"، ولكن يمكن التوقف هنا عند واقع ان شاهين هو من طينة المعلمين الكبار الذين لا يغادرون هذا العالم، إلا بعدما يتركون وراءهم مبدعين ينتمون الى خطهم ويواصلون طريقهم... ومن هنا لم يكن صدفة أن ينظر كثر هذه السنة الى الإنتاج الجديد ليسري نصرالله "جنينة الأسماك" وفيلم ابراهيم بطوط"عين شمس"بل حتى"بصرة"أولى تجارب أحمد رشوان في الروائي الطويل، على انها تجارب تنتمي الى العالم الشاهيني في شكل أو آخر. الى شاهين كان هناك الأميركي المميز سيدني بولاك،الذي كان رحيله مفاجأة سيئة حقيقية. فالرجل كان لا يزال في قمة عطائه ولا يزال قادراً على التجديد، على رغم السنوات الخمسين التي انقضت منذ ظهور أفلامه الأولى مثل"القرية الملعونة"عن تينيسي ويليامز، وپ"كيف كنا"عن زمن الماكارثية وپ"أيام الكوندور الثلاثة"عن السي آي إي ومساوئها، وصولاً الى"خارج أفريقيا"وغيرها... مهما يكن يبقى أيضاً من بولاك انه كان مع سيدني لاميت وجون فرانكهايمر وغيرهم، المبدع الذي أمن الانتقال في هوليوود من زمن المعلمين الكبار والاستكانة الكلاسيكية، الى زمن جيل الاحتجاج الثوري - فنياً على الأقل -، جيل كوبولا/ سكورسيزي/ سبيلبرغ/ دي بالما... أما الرحيل الثالث الكبير الذي طبع هذه السنة السينمائية الصاخبة، فكان رحيل بول نيومان، أحد كبار الممثلين في تاريخ هوليوود الى جانب براندو ونيكسلون ودي نيرو وآل باتشينو...، الفنان الذي ارتبط اسمه بأفلام كبيرة، وأفلام أقل قيمة، لكنه، كما أبدع في الكبيرة، عرف كيف يعطي حتى الأفلام الصغيرة رونقاً. كان"طريق الضياع"واحداً من آخر أفلام نيومان، لكن المتفرجين لن ينسوه أبداً في الدور الرائع الذي لعبه في فيلم مارتن سكورسيزي"لون المال"ولا طبعاً في لقطة الختام حين يخبط طابات البليار بقوة صارخاً:"ها أنذا قد عدت". نشر في العدد: 16702 ت.م: 26-12-2008 ص: 22 ط: الرياض