رأيت الزميل رفلة خرياطي عند مدخل مكاتب"الحياة"في لندن وقلت له"خلّي في قلبك رحمة"، فأنا لا أقرأ اسمه على خبر اقتصادي في الصفحة الأولى إلا وأجده يقول"أوبك تحتاج الى صدمة لتثبيت سعر مقبول للنفط"أو"الركود لسنتين على الأقل، وأعلى الخسائر في بورصات الخليج"و"توقع تراجع النفط الى 25 دولاراً للبرميل". رفلة، ونحن جميعاً، ننقل الأخبار ولا نصنعها، والأخبار لا تجد طريقاً وسط الزحام الى الصفحة الأولى إلا إذا كانت سيئة غير أننا وطّنا النفس على أن تكون الأخبار السياسية سيئة وعشنا حتى تبعتها أخبار الاقتصاد العالمي ونحن منه. أمس تلقيت عبر الانترنت، وأيضاً"تكست"من صديق هذه المعلومة: قبل سنة اشترى بنك اسكوتلندا الوطني بنك إي بي ان - أمرو بمبلغ مئة بليون دولار، وهذا المبلغ يكفي الآن لشراء سيتي بنك 22.5 بليون ومورغان ستانلي 10.5 بليون وغولدمان ساكس 21 بليوناً وميريل لينش 12.3 بليون وبنك دويتشه 13 بليوناً وبنك باركليز 12.7 بليون، وتبقى فراطة، أو فكة، بمبلغ ثمانية بلايين دولار تكفي لشراء شركات صنع السيارات: جنرال موتورز وفورد وكرايسلر، ومعها فريق هوندا لسباق السيارات فورمولا واحد. جاي لينو، نجم البرنامج التلفزيوني الأميركي"مساء السبت حيّاً"على شبكة"ان بي سي"قال أخيراً إن جورج بوش أذكى مما يتصور خصومه، فهو بعد الأزمة المالية الأخيرة استطاع أن يشتري بيتاً في دالاس للتقاعد هناك بعد الرئاسة بمبلغ مليوني دولار، وهو كان سيدفع عشرة ملايين دولار ثمناً للبيت لولا الأزمة. جورج بوش ليس مسؤولاً عن انفجار الأزمة المالية، وإنما هو مسؤول عن الفشل في معالجتها ووقف الانحدار نحو الهاوية، فهو أفلس أكبر اقتصاد في العالم، وحوّل فائضاً بمبلغ ترليون دولار عندما تسلّم الحكم قبل حوالى ثماني سنوات الى عجز بمبلغ ترليون دولار، أي أنه بدد ترليوني دولار في حروب غير مبررة وقتل مليون عراقي و 4200 أميركي حتى الآن من دون أن يقضي على أي إرهاب، فالخبراء كافة، بمن فيهم الأميركيون، يقولون إن الارهاب زاد حول العالم منذ أعلن جورج بوش الحرب عليه، كما زاد العجز من ترليونين الى ترليونات. اليوم أصبحتُ اعتبر نفسي خبيراً في الاقتصاد، مع أنني لم أقرأ خبراً اقتصادياً قبل 15 أيلول سبتمبر الماضي عندما انهار بنك الاستثمار ليمان براذرز الذي يفترض أنه كان أكبر حجماً من أن ينهار. وأساس ثقتي بخبرتي الاقتصادية هو ما أعرف عن"خبراء الارهاب"، خصوصاً من الليكوديين الأميركيين الذين يكذبون كل يوم ويغطون على ارهاب اسرائيل، ويتهمون حركات تحرر وطني بالارهاب. حتماً أنا أعرف عن الاقتصاد العالمي أكثر مما يعرفون عن الارهاب، ثم أنني محايد ولست طرفاً في أي ارهاب من أي طرف، كما أنني لست مسؤولاً عن الأزمة المالية العالمية. وخبرتي المستجدة تجعلني أسر في أذن القارئ أن فوائد البنوك قد تهبط الى الصفر، فلعل من الأفضل أن يستعمل العربي فلوسه في اجازة حول العالم يُعرّج فيها على ريو دي جانيرو، وهي في رأيي أجمل مدن العالم اطلاقاً. وبما أن حجم التجارة العالمية سيهبط 2.1 في المئة السنة المقبلة بعدما زاد 9.8 في المئة سنة 2006 و 6.2 في المئة السنة الماضية، فلعل العربي يتقاعد مبكراً ولو كان عمره 30 سنة. الواقع أن عندي أرقاماً كثيرة أستطيع أن أنشرها أمام القارئ لأثبت طول باعي الاقتصادي غير أنني لا أفعل رحمة بهذا القارئ، ثم أن الأرقام يلغي بعضها بعضاً، فلو قلت إن البورصات العالمية نشطت أمس، فالمقال لن يصدر حتى تكون هبطت من جديد. ولعل من القراء من لاحظ أن البورصات العالمية مارست لعبة الأطفال"يا طالعة، يا نازلة"، فهي يوم فوق ويوم تحت، والسبب طفولية المسؤولين عن الاقتصاد العالمي ممزوجة بالطمع أو الجشع، ما يعني مزيجاً قاتلاً دفع ثمنه موظفون أبرياء حول العالم. و"الصنداي تايمز"زايدت في عددها الأخير على الجميع فقد كانت هناك صورة على صفحتين لرجل وامرأة يصرخان هلعاً وسط بحر تغرق فيه السيارة والبيت والمستقبل. في سنة 1929 كان من نتائج الأزمة المالية الهائلة ان رجال مصارف وعملاء بورصة قفزوا من نوافذ مكاتبهم منتحرين. هذه المرة، كان هناك من رفع لافتة هائلة في الشارع المشهور"وول ستريت"في نيويورك تقول لرجال المال:"اقفزوا يا أولاد...". نشر في العدد: 16689 ت.م: 13-12-2008 ص: الأخيرة ط: الرياض