إدارة جورج بوش تزعم أنها تحارب الارهاب، وهي تؤيد الارهاب الاسرائيلي ضدنا من غزة الى قانا. وهي وقاحة لا يفسرها سوى أن المستهدف بالارهاب عرب ومسلمون دماؤهم مستباحة هذه الأيام. غير أن وقاحة الادارة الأميركية ليست انتقائية، وانما على كل صعيد، وقد تستهدف الأميركيين أنفسهم كما في القصة الآتية: الإدارة الأميركية تفاخر بأن العجز في الموازنة الأميركية هذه السنة بلغ 296 بليون دولار"فقط". كيف يمكن أن تفاخر إدارة بعجز هائل؟ الادارة توقعت في شباط فبراير الماضي أن يبلغ العجز هذه السنة 423 بليون دولار، فلما هبط الرقم المتوقع فاخر جورج بوش بعجز يقترب من 300 بليون، وقال انه يظهر نجاح سياسته الضريبية، وهللت صحافة اليمين المتطرف للعجز وقالت إن بوش"عائد". هي تعني أنه عاد لكسب شعبية خسرها في السنتين الأخيرتين، ولن أسأل اين كان لأنه لا يعرف. العجز المتوقع للسنة المقبلة هو 339 بليون دولار، وكل مصدر اقتصادي خارج الادارة يتوقع كارثة في المستقبل اذا لم تعالج أمراض الاقتصاد الأميركي، فالضمانات الاجتماعية والطبابة ورعاية المسنين وغيرها تستهلك أكثر من 40 في المئة من الموازنة الآن، ومع بلوغ أعداد متزايدة من الأميركيين سن التقاعد في الأشهر والسنوات المقبلة، فإن العجز سيبلغ ترليونات الدولارات، لا"مجرد"مئات البلايين. وقد قرأت لمن طرح زيادة في الضرائب بين 30 في المئة و 50 في المئة لمواجهة العجز، ما أعتبره زيادة خرافية، ومن نوع انتصار الادارة على الارهاب. سقوط الاقتصاد الأميركي، وهو أكبر اقتصاد في العالم برقم في حدود 13 ترليون دولار، سيؤذي كل اقتصاد في العالم، بما في ذلك الاقتصاد العربي، غير انني والقارئ نظل أكثر اهتماماً بسقوط السياسة الأميركية. غلين غرينوالد، وهو محام خبرته القانون الدستوري الأميركي قال إن سياسة جورج بوش الوحيدة هي الخوف، أو تخويف الأميركيين من الارهابيين ومؤامرات لنسف جسور وبنايات مرتفعة، ومن هجوم نووي، والخطر على الموانئ الأميركية، وتسميم مياه الشرب، مع إنذارات بألوان تدل على حجم الخطر. والادارة تستغل الخوف لتسرق من حريات الأميركيين وتتجسس على مكالماتهم الهاتفية أو حساباتهم المصرفية. وعندما كشفت"نيويورك تايمز"هذا التجسس من دون إذن المحاكم حملت الادارة عليها وهددتها. بل إن وزارة العدل وقفت ضد المدعي العام في ولاية نيوجيرسي الذي طالب شركات الهاتف بأن تثبت انها لم تخالف القانون عندما سلمت ملفاتها الى وكالة الأمن الوطني، أي الوكالة المكلفة بالتنصت حول العالم. وكان عذر الوزارة ان طلب المدعي العام يهدد الأمن الوطني الذي لا تهدده سوى سياسة ادارة تزيد الارهاب بدل أن تهزمه. مرة أخرى سقوط السياسة الأميركية يهمني والقارئ، غير أننا نهتم أكثر بالجزء الخاص من الشرق الأوسط الذي يصيبنا مباشرة. مشكلتي والقارئ أنه لا توجد سياسة أميركية في الشرق الأوسط، بل تخبط أعشى: - جورج بوش أعلن تأييد اسرائيل في دفاعها عن نفسها، وهي تقتل مدنيين فقط من فلسطين الى لبنان، في حين دعت وزيرة خارجيته الى ضبط النفس. - هو أعلن في 1/5/2003 أن"المهمة انجزت"في العراق، إلا أنها لم تنجز بعد أكثر من ثلاث سنوات، حتى والرئيس يقول أخيراً"انتصرنا". وهو سعى الى اخراج سورية من لبنان، ووضع ايران ضمن"محور الشر"كأول دولة تؤيد الارهاب في العالم، ثم لم يجد ما يفعل سوى أن يطلب منهما وقف حزب الله، ومن دون مقابل. - بعد ارهاب 11/9/2001 أعلنت ادارة بوش"استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة"وفيها التأكيد أن الولاياتالمتحدة لن تقدم تنازلات لطلبات الارهابيين، ولن تعقد صفقات معهم. نحن لا نفرق بين الارهابيين والذين يؤوونهم عن سابق معرفة ويقدمون مساعدات لهم". وعاد الرئيس بوش الى هذا الموقف في خطاب له في كلية وست بوينت العسكرية في 27/6/2006 فقال إن أميركا لا تفرق بين الارهابيين والبلدان التي تؤويهم. واذا آويت بمعنى ساعدت ارهابياً فأنت مذنب مثل الارهابي وأنت عدو للولايات المتحدة". بين هذا وذاك، وتحديداً في 31/5/2006 أعلنت الدكتورة كوندوليزا رايس أن الولاياتالمتحدة ستتفاوض مع ايران. من نصدق الرئيس أو وزيرة الخارجية؟ مرة أخرى ايران من"محور الشر"بل إنها أول بلد يؤيد الارهاب في العالم بحسب تصنيف وزارة الخارجية فكيف يتفاوضون معها؟ لعل في ايران درساً للدول العربية المعدودة بين أصدقاء الولاياتالمتحدة، فصداقة الولاياتالمتحدة أخطر من عداوتها، والولاياتالمتحدة لا تكتفي بمفاوضة ايران، وانما تعرض عليها حوافز واغراءات. فالصفقة التي قدمتها اليها الدول الست وبينها الولاياتالمتحدة تشمل حقها في الطاقة النووية للأغراض السلمية، وربما مفاعل بماء خفيف مع تعاون في الأبحاث والتطوير، وتسهيل دخول ايران الاقتصاد العالمي وشراكة طويلة الأمد في الطاقة مع أوروبا، وتكنولوجيا متقدمة وطيران مدني وغير ذلك كثير. هذه ليست سياسة، وانما"سمك ولبن وتمر هندي"، ولا استبعد أن تزيد الولاياتالمتحدة من اغراءاتها، ولا استبعد أن تضرب المنشآت النووية الايرانية، طالما أنه لا توجد سياسة، وانما مواقف يناقض اللاحق منها السابق.