الأخبار هي دائماً أخبار سيئة، وعندما يحتل خبر الصفحة الأولى من الجريدة فهو سيئ جداً، كما حدث على مدى الأسبوع الماضي في خبر الأزمة المالية التي تلف العالم. حتى لو كان الخبر عن فوز انسان ببطولة أو مباراة أو جائزة، فهناك عشرات وأحياناً مئات وألوف الناس الذين فشلوا مقابل ذلك الفوز. أغرب ما قرأت في نهاية الأسبوع من بين ألف خبر عن الاقتصاد العالمي ومشاكله كان في"الغارديان"اللندنية الرصينة، فهو قال:"الاقتصاد في المرآة: العراق فقط يزدهر"، وضم الخبر خريطة للعالم والأسواق المالية في كل بلد وكيف هبطت في شكل مريع وسجلت بورصتا ايطاليا واليابان خسارة 52 في المئة من قيمتها الدفترية، وموسكو خسارة 61 في المئة. وكان الاستثناء الوحيد العراق حيث زادت البورصة 40 في المئة، بفضل أسعار النفط التي انخفضت بعد ذلك، ما يعني أن تهبط بورصة بغداد معها، و"جتْ الحزينة تفرح ما لقت مطرح". أعتقد بأنني أصبحت خبيراً في الاقتصاد العالمي، وأستطيع أن أشرح ماذا حدث، فالانسان يعرف طريقة أو اثنتين لجمع المال وألف طريقة لتبديده، لذلك فالعملية غير متكافئة أصلاً، ثم ان الانسان يعمل خمسة أيام في الأسبوع، ويدفع ضرائب للدولة، غير أن الدولة تعمل سبعة أيام في الأسبوع، وبالتالي فهناك دائماً عجز في موازنتها يعكس الفارق بين أيام العمل وأيام الإنفاق. خبرتي الطارفة ليست كاملة، فقد شرحت أسباب الأزمة إلا أنني لا أعرف كيف أحلّها، وأخشى أن جورج بوش لا يعرف أيضاً. ففي نهاية الأسبوع كان بين الألف خبر التي قرأت عن الاقتصاد واحد في"نيويورك تايمز"يقول:"البيت الأبيض يعدّل خطة الانقاذ"، وخلاصته أن استراتيجية الادارة التي قامت على دعم الأسواق المالية بمبلغ 700 بليون دولار كانت"مسلوقة"، فقد أُعدّت على عجل ويجب اصلاحها، وهي بالمناسبة تأميم على طريقة الاشتراكيين العرب في الستينات، باسم آخر لأن الدولة تأخذ حصة في البنوك التي تساعدها، ثم قرأت في الجريدة نفسها أمس أن أوروبا ارتكبت أخطاء مماثلة، وأيضاً آسيا. اذا كانت ادارة بوش، بمن فيها وزير الخزانة ورئيس الاحتياطي المركزي، وأوروبا وآسيا لا تعرف، فكيف أعرف أنا. الوضع مخيف، وفي بداية الأسبوع قيل لي: ابتسم لأن الوضع سيسوء، وابتسمت وهو ساء فعلاً. واذا ساء أكثر فربما نصل الى وقت تسرق فيه الفنادق المناشف من زبائنها. وأعرف أنني أخلط الهذر بالجد في موضوع جدي للغاية، ولكن ماذا أستطيع أن أفعل غير أن أحاول تخفيف الوطأة على القارئ الذي لا يكفيه انهيار الأسواق، وإنما يجد أن الغلاء زاد في سوق الكساد الحالية، حتى أصبح مثل التنورة الميني وكلاهما من العيب أن يرتفع أكثر. بالنسبة الى مشكلة الغلاء فنحن العرب نعاني منها أقل من الآخرين، لأننا نعيش في الماضي، والماضي كان أرخص. وعلى سيرة الماضي، هل يعرف اللبنانيون أن كلمة"مصاري"، أو"مصريات"، بمعنى الفلوس، مشتقة من مصري، وهي تعود في الأصل الى حملة ابراهيم باشا على بلاد الشام في أوائل القرن التاسع عشر، فالفلوس التي حملها معه أطلق عليها السكان المحليون كلمة"مصاري"نسبة الى مصر، وأرجو ألاّ يحاول المصريون استردادها الآن، فهم يعانون من الأزمتين الاقتصاديتين المحلية والعالمية. سمعت رجلاً يقول: الأزمة المالية قاسية، إلا أنها ليست أقسى من اللحم الذي تطبخه زوجتي. وأظرف ما سمعت كان من رجل في نيويورك قال: الأزمة المالية الحالية أسوأ من الطلاق، لأنني خسرت نصف ثروتي ولا تزال زوجتي معي. المشكلة بدأت في أميركا، طبعاً في أميركا حيث تبدأ عادة مشاكل العالم، وهي تعود في الأساس الى سهولة الاستدانة من البنوك، مع استعداد هذه للتعامل بفلوس لا تملكها توقعاً منها أن تربح، وقد ربحت طويلاً ثم انقلبت السوق فانكشف الدائن والمدين. عندما أقمت في الولاياتالمتحدة في الثمانينات، خلال أزمة شركات التوفير والاستدانة، خبرت شيئاً من هذا، فالبنك كان يريد أن يمدّني بقرض لشراء البيت، بل أيضاً لاستئجار العفش، وأنا أصر على أن أدفع ثمن كل شيء نقداً، فيما نائب مدير البنك يقول إن الدين عليّ يساعد في خفض الضرائب المتوجبة على دخلي، حتى أنني بدأت أفكر لماذا يسطو بعض الأميركيين على البنوك طالما أن الاستدانة منها أسهل. أمس قرأت في"واشنطن بوست"أن كثيرين يحرقون سياراتهم للاحتيال على شركات التأمين. وكنت سمعت عن رجل أقبل على صديق له معزياً بعد أن سمع أن متجره احترق. وقال الصديق: أسكت، الحريق غداً. كلمة جد: الأزمة ستستمر طويلاً، وسنتان رقم متحفظ فهي قد تبقى معنا خمس سنوات، وربما عشر سنوات، ويدفع كل من يملك مالاً الثمن. غير أنني والقارئ لا نقلق، لأن ليس عندنا ما نقلق عليه، وإنما نستعيد الأغنية: جحا قال هالموال، طلعت نزلت، كبرت صغرت، حادتْ عن ضهري، بسيطة.