توشك عاصمة محافظة شمال كيفو، بجمهورية الكونغو الديموقراطية، غوما، على السقوط في يد حركة التمرد في قيادة لوران نكوندا. وينمّ اختيار المتمردين موعد هجماتهم عن حنكة وخبرة. فحرب جمهورية الكونغو الديموقراطية الثانية اندلعت، في آب أغسطس 1998، اثر وقوع هجمات ارهابية على السفارتين الاميركيتين بنيروبي ومومباسا. واستغل، يومها، المتمردون انشغال المجتمع الدولي وواشنطن بالهجمات لبدء حربهم. فلم تسترع انتباه أحد. وفي كانون الاول ديسمبر 2004، يوم كانت ادارة بوش الجديدة منشغلة بتسلم مهماتها، اجتاحت قوات لوران نكوندا بوكافو، وكادت أن تطيح العملية السياسية الكونغولية الانتقالية. واليوم، يكاد يحكم نكوندا قبضته على غوما، في وقت ينصرف الاميركيون الى انتخاب رئيسهم، والاوروبيون الى انقاذ مصارفهم. والحق أن الأزمة في الكونغو بين القوات المتمردة والقوات الحكومية هي أزمة دولية تمتحن الاممالمتحدة. فسقوط غوما، وهي مقر قوات الاممالمتحدة"مونوك"، في أيدي المتمردين، يلحق الضرر بصدقية الاممالمتحدة. فالكونغوليون والمتمردون يحاصرون أصحاب القبعات الزرق. وقد تبلغ الاضطرابات بوكافو، وتحمل السكان على الارتياب في دور قوات الاممالمتحدة في النزاع الدائر. فالاهالي يتهمون هذه القوات بغض النظر عن تسلل المقاتلين في دول الجوار الى الكونغو. وفي الازمتين السابقتين بجمهورية الكونغو الديموقراطية، سارع الاتحاد الاوروبي الى دعم قوات ال"مونوك"عسكرياً. فنجحت هذه في مهمتها في ايتوري، بشمال شرقي الكونغو. وأرست قوات الاتحاد الاوروبي الامن في كينشاسا، ومهدت، تالياً، الطريق الى الانتخابات. وعلى خلاف السابقتين، لم يلق ألن دوس، رئيس ال"مونوك"آذاناً صاغية في نيويورك وبروكسيل، ولم ينزل الاتحاد الاوروبي على طلبه دعم قواته بكتيبتين أوروبيتين. ويبدو أن العلاقات بين المجتمع الدولي ونظام كابيلا تقهقرت غداة انتخابات 2006. فالاتحاد الاوروبي لم يقدم العون الى حكومة جيزنغا في اصلاح المؤسسة العسكرية، وانشاء فرق تدخل سريع، على ما تعهد. وسارع الى انتقاد عمل الحكومة هذه. وتذرع المجتمع الدولي باستشراء الفساد في المؤسسات الحكومية الكونغولية الى تسويغ تلكئه. وفي 2007، أبرم وزير اعادة الاعمار، بيار لومبي، اتفاقاً تبادل عيني مع الصين تقرض بكين بموجبه الكونغو 9 بلايين دولار لقاء 10 ملايين طن من النحاس. وفي 2008، أعلن وزير المناجم عزمه على مراجعة عقود غير عادلة أبرمت مع شركات أجنبية غربية في المرحلة الانتقالية السياسية. وفي كانون الثاني يناير 2008، أقر مؤتمر غوما مطالب المتمرد نكوندا وجماعة التوتسي الكونغولية، وأعلن وقف الجماعات المسلحة أنشطتها العسكرية. ولكن رجال نكوندا واصلوا هجماتهم على القوات الحكومية، ولم تقطع القيادات الحكومية المحلية صلاتها الوثيقة ب"القوى الديموقراطية لتحرير رواندا"وبالهوتو الروانديين. ولم يشارك الرئيس كابيلا في القمة الافريقية - الاوروبية في كانون الاول ديسمبر 2007، وتخلف عن المشاركة في قمة الفرنكوفونية الاخيرة في كيبيك الكندية، وعن حضور اجتماعات مجلس الامن. فهو يميل الى العزلة دولياً. وأسهمت هذه العزلة في تراخي المجتمع الدولي في الرد على الحوادث التي قد تفضي الى سقوط غوما في أيدي المتمردين. ومن الحوادث التي تتهدد أمن غوما تحول حركة التمرد حركةَ معارضة وطنية، وانفصال كيفو، وغيرها من الاقاليم، عن جمهورية الكونغو الديموقراطية، وبلقنة النزاع، واطاحة الرئيس. ويبعث على القلق ميل التاريخ الى تكرار نفسه في هذه البقعة الى العالم. عن كوليت براكمن،"لوسوار"البلجيكية، 29/10/2008