للممثل السعودي حسن عسيري تاريخ درامي طويل، أصابه فيه صد جماهيري وهجوم صحافي قاسٍ، بسبب إجماع كثر على أنه"فنان ثقيل الدم". لكن هذا التاريخ بدأ في التحسن، وصار الممثل غير المرغوب فيه يحتاج إلى عدد من رجال الأمن، ليساعدوه في الخروج من زحمة المعجبين الراغبين في التحدث إليه، أو التقاط صورة تذكارية. فالمشهد الذي رصدته العدسة في آخر حفلتين خيريتين حضرهما عسيري مهرجان العودة للمدارس الذي أقامته الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في مكةالمكرمة، ومهرجان الصحة النفسية الذي أقيم في مركز الصيرفي ميغا مول في جدة يكشف مدى التحول في العلاقة بين الفنان والمشاهدين، وهو ما يعتبره عسيري"نعمة من الله يتمنى ألا تنقطع"، ويضيف:"قطعت مسافة طويلة حتى بلغت هذا المبلغ، وهو سر سعادتي، كما أنه مصدر قوّتي أيضاً". وحسن عسيري هو أول ممثل عربي يعلن فشله رسمياً من خلال برنامج"إضاءات"على قناة"العربية"، الذي حل عليه ضيفاً قبل سنتين. ففي تلك الحلقة اعتذر من المشاهدين عن الصورة النمطية"السيئة"الراسخة عنه في أذهانهم، وتعهد بأن يكون مسلسل"بيني وبينك"فرصته الأخيرة لكشف النقاب عنه كممثل كوميدي، وما هي إلا أشهر قليلة حتى كسب الرهان عبر شخصية"مفرح"الرجل الجنوبي البسيط، منجزاً بمشاركة النجمين راشد الشمراني وفايز المالكي، عملاً كوميدياً لافتاً في الجزء الأول، وفي الجزء الثاني تعدى مرحلة لفت الانتباه إلى الانتشار وارتفاع معيار الشعبية الى درجة تجاوز فيها نسب المشاهدة العالية التي كان يستأثر بها مسلسل"طاش ما طاش"خلال 15 عاماً من العرض التلفزيوني. ويبدو أن الشخصية"خفيفة الظل"التي جسدها عسيري أسهمت في شكل كبير في تغيير الفكرة القديمة عنه، إذ منحته طريقة خاصة تقوده إلى قلوب الناس الذين افترضوا فيه"ثقل الدم"، ليصبح أحد الممثلين الكوميديين المفضلين لديهم. أما العلاقة بين عسيري والكوميديا، فيكشفها بقوله:"كنت مدمناً على مشاهدة نجوم الكوميديا المصريين ممن برزوا في زمن"الأبيض والأسود"، وتغذيت من خلالهم بمجموعة من المعطيات الفنية، وهو ما شكل البذرة الأولى في مشواري الفني". محاولات البداية كانت متعثرة، خصوصاً أنها انطلقت من خارج الحدود المحلية وتحديداً في مصر، التي أراد أن يلمس من على أرضها المجد والشهرة في زمن قصير، لكنه سرعان ما انتبه إلى أنه لبس ثوباً غير ثوبه، بعد أن أقحم نفسه في أكثر من عمل مصري درامي لم تتناسب أدوارها مع شخصيته وطبيعته، خصوصاً في ظل تبنيها آنذاك سياسة الإنتاج الوفير في مقابل المضمون الفني الفقير. يقول:"بعدما أغلقت في وجهي أبواب الدراما السعودية - ولم يكن سهلاً على أحد اقتحامها سوى قلة من المعروفين بسبب محدودية الإنتاج وندرة الفرص التلفزيونية - كنت مجبراً على خوض تلك التجربة". وحين سنحت له فرصة الدنو من الدراما السعودية، ظهر عسيري في أكثر من عمل، لم يترك أي منها أي أثر للنجاح، ولم يطبع في ذاكرة الجمهور أي صورة زاهية، فكان مروره عبر فضاءات التلفزيون المتاحة متعثراً ومحملاً بعراقيل شتى، ليكتشف أنه قضى 15 عاماً في كنف الدراما تحت"مظلة التجريب"، يقول:"بعد هذا العمر الذي انقضى بلا نتائج تُذكر، تيقنت أن الاعتماد على إنتاج الآخرين لا يلبي طموحاتي، ولا يساهم في الارتقاء بالدراما السعودية التي تحتاج إلى كوادر أبنائها، لتسير بخطوات واثقة نحو التطوير والدخول في المنافسة المحتدمة التي يشهدها فضاء الإعلام المرئي، لذا انتبهت إلى ضرورة التغيير، وهو ما حدث بالفعل". والتزاماً بهذه القناعة سلخ عسيري جلد أعماله القديم واستبدله بآخر جديد فقدم"سوالف حريم"العمل الدرامي الشيق الذي قدم فيه صورة كوميدية عن الزواج من أربع نساء، وبعد ذلك مباشرة أنتج مسلسل"الغروب الأخير"الذي قدم فيه شخصية"بدر"مفاجئاً الجميع بقيمة الأداء الدرامي الذي قدمه من خلال هذا الدور... بعدها اختفى لمدة ثلاث سنوات بغية"التخطيط لأعمال أكثر تميزاً"، ما أفرز مسلسل"أسوار"الذي قفز من خلاله فوق أسوار كثير من الخطوط الحمر، لعل أهمها وأكثرها جدالاً حين صور بعض مشاهد المسلسل - وفقاً لطبيعة القصة - داخل إحدى الكنائس في أوروبا، ما فتح عليه أبواباً من النقد الحاد والهجوم الشرس، حاول التصدي لها بتبريرات استنبط جلها من الدعوة إلى تسامح الأديان. وساعدت نسبة المشاهدة العالية ل"أسوار"- كأهم مسلسل عربي يعرض خارج شهر رمضان بحسب تقديرات"أم بي سي"- في إثارة الموضوع في شكل كبير، وزادت من معدلات متابعته.. ووضعت بطله حسن عسيري في مواجهة ثقيلة مع بعض المشاهدين، حتى أنه تلقى تهديدات بالقتل من مصادر مجهولة كجزاء حتمي على فعلته. هذا الحدث لم يضعف عزيمة عسيري ولم يقوض أحلامه، فعاد أكثر قوة بمسلسله الشهير"بيني وبينك"الذي شاركه في بطولته الممثلان الكوميديان فايز المالكي وراشد الشمراني، ساحقاً كل التوقعات بفشله، بل إنه مضى إلى أبعد من ذلك، حين أزاح الشهيرين ناصر القصبي وعبدالله السدحان من المراكز الأولى في قائمة الأكثر مشاهدة تلفزيونياً للمرة الأولى في تاريخهما... حتى أن بعض النقاد اعتبر توقف"طاش ما طاش"في رمضان الفائت واستبداله ب"كلنا عيال قريّة"ما هو إلا بهدف ردع تفوق"بيني وبينك"المباغت. ويحسب لحسن عسيري اشتغاله جيداً على الإنتاج التلفزيوني عبر شركة"الصدف"التي يملكها، فهو يسعى إلى أن"تصبح الصدف أكبر بيت يحتضن الدراما العربية بكل أشكالها، شرط أن تقدم عملاً فنياً يحمل مضامين تستحق المشاهدة".