أوجد النظام الرأسمالي العالمي أنماطاً غير تقليدية في مجال تصميم وسائل وحلول لعمليات مالية توصف بأنها"إبداعية ومبتكرة"وتطويرها وتوظيفها. فالهندسة المالية تعني في شكلها العام، استخدام الوسائل المالية في إعادة هيكلة وضع مالي معين قائم وتحويله في اتجاه أنماط أخرى تحقق أرباحاً. من تلك الوسائل تصميم السلع المالية وأسعارها المستقبلية وصفقات التمويل التضامنية ومناقصات البنوك الاستثمارية وهيكلتها، وتمويل المشاريع وتبادل القروض المعدومة والمقايضات في مجال الطاقة وقضايا المناخ والانبعاثات الحرارية، وغيرها من أساليب وإجراءات لم يسمع بها كثر في عالمنا العربي. ومن أبرز الإجراءات الأبداعية المعتمدة، الفصل التام بين عملية تمويل الموارد المالية وبين عملية الإقراض وضمان القروض. يمكن القول في شكل عام، أن الهندسة المالية في حقيقة أمرها، استخدام وسائل مالية مبتكرة لتجديد الفرص الاستثمارية للاقتصاديات المحلية. ولتحقيق ذلك في شكل فاعل، يجب إقامة شبكات معلومات كفوءة وشفافة تساعد على تعبئة الموارد واستخدامها من خلال شراكات استراتيجية منتخبة تجرى مراقبة أدائها وقياس ردود الفعل باتجاه السياسات والإجراءات المؤثرة في"الهندسة المالية". إن الكارثة المالية الحالية التي أحدثها الاقتصاد الأميركي وسحب وراءه العالم، هي نتاج الوسائل الإبداعية المبتكرة التي أوجدها النظام المالي الأميركي ووظّفها في مجال الهندسة المالية خارج حدود مراقبة صندوق النقد الدولي . فأرصدة البنوك والمؤسسات والشركات الأميركية العاملة في أسواق المال محفوظة في" صناديق سوداء" لايعرف عنها الكثير. كما أن أموال البنوك الأميركية هي قروض وأن أسعار الأرصدة التي استخدمت أموال القروض لشرائها، هي في انخفاض مستمر. فبسبب من السياسات المالية غير المسؤولة في النظام الأميركي، يتّجه الوضع الاقتصادي هناك وفي العالم نحو الركود وربما الكساد. ويعتقد مراقبون إن خطة الإنقاذ الأميركية الهادفة إلى شراء ديون بعض المؤسسات المالية المتعثرة، قد تمنع بعض حالات الأفلاس، إلا انها لاتحقق توازناً مالياً أو اقتصادياً مرغوباً، نظراً الى توقع استمرار تراجع الإنفاق والاستهلاك في الناتج الإجمالي المحلي للولايات المتحدة. ويرى بعضهم ان خطة الإنقاذ هي في جوهرها عملية نقل للسلطات والصلاحيات التشريعية إلى الإدارة، ما يحقق لها التدخل والسيطرة على عملية إدارة الأسواق وتوجيه الاقتصاد الوطني من دون أي مراجعة قضائية. وصدرت اميركا، بسبب نظامها المالي المعطوب، عدم الاستقرار في مجال الطاقة والديون والأسواق المالية وحفز الفساد والمضاربات في المجالات الاقتصادية والمالية. واستخدمت وسائل"التجديد المالي"في تحويل الاستثمارات لغير مصلحة المجتمعات الإنسانية للدول، من خلال توظيف تلك الأموال المتراكمة في مشاريع لا تنتج وظائف جديدة أو خدمات، ولا تحمل قيمة حقيقية مضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي لا تحقق تنمية وتطويراً لمواطني الدول، بخاصة المجتمعات ذات الدخل المحدود. وأوجد النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، فجوات مدمرة بين الأغنياء والفقراء، وأحدث تغييرات هيكلية غير مرغوبة أدت إلى تراجع بيئي واختناقات اقتصادية المديونية الدولية، أضرت بالمسؤولية الاجتماعية التضامنية التي يجب الحرص عليها تحت أي نمط من أنماط الحاكميّة أو التوظيف المالي . في عالمنا العربي نحن في أمس الحاجة إلى قيام كل دولة بإنشاء المؤسسات المالية المصمّمة لتطوير المجتمعات، وتأخذ الدولة على عاتقها مراقبة البرامج التي تحقّق معاييرها خدمات مالية نوعية للمواطنين، ومتابعة تنفيذها ، وهؤلاء هم في أمس الحاجة إليها. أي أن على دولنا أن تعتمد مبدأ المسؤولية في اختيار مشاريع وتمويلها، لأغراض التنمية الاجتماعية. في شكل عام ، بحسب ما هو قائم حالياً، أن معظم ذوي الدخول المحدودة لا يسعها الاستفادة القصوى من الخدمات المالية التي تقدمها البنوك. لذا يصبح ضرورياً، استحداث صناديق مالية توفر الأستثمارات للمشاريع الاجتماعية وتوسيع عملها وضمان ظروف استدامتها في المدى البعيد. فهي تلعب دوراً كبيراً في ايجاد الوظائف وتطوير الخدمات العامة ووقف الإقصاء الإجتماعي لبعض شرائح المجتمع وبالتالي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدولنا. في ضوء تداعيات الكارثة المالية العالمية الحالية، قد تلجأ الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى تطبيق إجراءات حمائية أو احترازية، تقيّد حرية تدفق الأموال والاستثمارات وحرية التجارة. لذا نرى أن على دولنا المالكة"للصناديق السياديّة"العمل على إعادة تدوير أموالها باتجاه استثمارها محلياً أو عربياً، في مشاريع تتيح لها توسيع طاقاتها الاستيعابية الوطنية ودائرة سيطرتها ومراقبتها لحركة تلك الأموال. * عضو"منتدى الفكر العربي".