"كل ثلاث دقائق يولد طفل في الاردن"، عنوان تصدر الصفحات الاولى لصحف يومية، مشيراً الى"الساعة السكانية"، اذ بلغ عدد سكان الاردن، حتى اعداد هذا التقرير، 5881752 نسمة. وهو الامر الذي دفع جهات مختلفة إلى وضع برامج وطنية تهدف الى تنظيم عدد افراد الأسرة، والمواءمة بين النمو الاقتصادي والسكاني، فضلاً عن برامج رديفة تسعى الى"المباعدة بين الأحمال"، حفاظاً على الأم والطفل. غير أن ثقافات الإنجاب الموروثة، وبخاصة في المجتمعات الذكورية، تختلف عن الدعوات إلى"السيطرة"على التزايد السكاني الملحوظ. عشق الثلاثينية منال شلباية، وهي موظفة رسمية، للأطفال اسفر عن انجابها سبعة بنين وبنات، هم حصيلة زواج عمره 13سنة. وهي عمدت في بداية حياتها الزوجية الى المباعدة بين حمْل وآخر، ولكن انتقالها من العاصمة الى قرية نائية ساهم في تغيير سلوكها الى الانجاب المتتالي. وترى منال ان المجتمع المحيط يلعب دوراً كبيراً في الضغط على المرأة لانجاب اكبر عدد ممكن من الاطفال، ضارباً بعرض الحائط كل البرامج والخطط المحلية التي تنادي بضرورة المباعدة بين الاحمال، كوسيلة من وسائل تحديد النسل وتنظيم الاسرة. و"أم السبعة"سعيدة بأبنائها وبناتها، على رغم أنها تعاني"التعب والإرهاق والمسؤولية"، كما تقول. سماح بيبرس 29 سنة، تعمّدت ان تباعد بين حمليها الاول والثاني، نحو ثلاث سنوات، كي تتمكن من منح طفلها فارس الرعاية والعناية اللازمتين. وهي مقتنعة تماماً بأهمية المباعدة بين المواليد، بعد اطلاعها على برامج في هذا الخصوص. وخططت وزوجها لانجاب طفلين فقط، كي يتسنّى لهما التفرّغ لتربيتهما وتعليمها، على أكمل وجه. الاربعيني علي شاكر، وهو مزارع، يؤيّد وسيلة المباعدة وهو يفضّلها على بقية وسائل تحديد النسل، بسبب الاوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية، معتبراً ان قول"الولد يأتي ورزقته معه"، هو عرف اتكالي لا يعول عليه في تنظيم الاسرة، لأن"السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة"، على قول عامي عبّر به عن قصده. وبين منال وعلي وسماح، نماذج متنوعة لأسر تسعى الى الجاه والعزوة، حين تقدم على"توسيع"عدد افرادها، وبخاصة لانجاب المولود الذكر، حتى لو جاء بعد 7 فتيات."المهم ان يأتي"، فهو في نظر أسرته"حامل اسم العائلة". وفي مواجهة انماط التفكير المرتبطة بسلوك يرنو الى الانجاب من دون مراعاة الأحوال المادية، اطلقت حملة"حياتي أحلى"، مطلع العام الحالي، وهي ثمرة جهود رسمية وأهلية، بغية التشجيع على المباعدة بين الاحمال، بعد المولود الاول، مدة 3 سنوات إلى 5. وتدعو الحملة الى استخدام الوسائل الحديثة لتنظيم الاسرة لدى المتزوجين، لتعزيز مفهوم"الاسرة الصغيرة"، على رغم أن أردنيات كثيرات يعارضن وسائل تنظيم الاسرة، وفقاً لنتائج استبيان جديد. ووفقاً للينا قردن، وهي إحدى المسؤولات، روّج لحملة"حياتي أحلى"، في وسائل كل الإعلام على أنواعها، بغية وصولها الى اكبر عدد ممكن من المستهدفين، وبخاصة الذين يوشكون على عقد الزواج والأزواج الحديثين. ويبدو أن الحملة، بدأت تقطف ثمارها، إذ تخطى وسيلة المباعدة تأييداً متزايداً، بحسب قردن. وتتضافر جهود جهات حكومية واهلية لترجمة الاستراتيجيات المتعلقة بتنظيم الاسرة، إلاّ أن تحديات جمة تواجه تنفيذها، بحسب الأمينة العامة للمجلس الأعلى للسكان، رائدة قطب. ومن التحديات أن الفئات المستهدفة تمتنع فجأة عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة، لأسباب غير معروفة. وترى قطب رابطاً وثيقاً بين ارتفاع معدلات الخصوبة وغياب المباعدة بين الاحمال من جهة، وبين الفقر والبطالة من جهة اخرى، وخصوصاً في بعض المناطق الريفية. وتوضّح نادين خوست، من"برنامج تمكين المرأة في معهد الملكة زين الشرف التنموي"، أن استجابة المجتمع المحلي لدور التوعية الذي تمارسه جهات معيّنة لا يمكن قياسه بيسر. غير ان الواقع"يبشر بالخير لأن عدداً من المستهدفين رجالاً ونساء، يبدي بعض الاستجابة". ويعوّل على رجال دين في كسب التأييد للحملة، وتعديل السلوك في مجال الصحة الانجابية، اذ تلعب مواعظهم دوراً مهما في تيسير أمور تنظيم الاسرة، وفقاً لخوست. حنان الكسواني، عضو"الرابطة العربية للاعلاميين العلميين"، تلفت إلى ان نتائج أولية لدراسة محايدة، اعدتها جامعة"جونز هوبكنز"الأميركية في عمان، تشير الى ان 76 في المئة من الأُسر الاردنية ترغب في استخدام وسائل تنظيم الاسرة، لكن 44 في المئة من مستخدميها، يتوقفون خلال السنة الاولى من بداية استخدام تلك الوسائل. وكشفت الدراسة أن معظم الازواج لا يقوى على اعتماد وسيلة المباعدة، قبل انجاب الطفل الاول، بسبب ضغوط اجتماعية أو تأخّر سن الزواج. وتشير نتائج استفتاء عبر الموقع الالكتروني للمجلس الاعلى للسكان، حول تأييد"مفهوم الاسرة الصغيرة"، الى أن 75 في المئة يؤيدونها، مقابل 25 في المئة يرفضونها. وكانت وزارة الصحة الأردنية رصدت أخيراً نحو 600 الف دولار، لتأمين وسائل لتنظيم الاسرة وتقديمها مجاناً، عبر مراكز الامومة والطفولة، بينما رصدت نحو 230 الف دولار لتنفيذ نشاطات متنوعة هادفة، ضمن محاور التدريب والتوعية. وقدّمت الوزارة هبة لشراء نحو 1,5 مليون واقٍ ذكري. ويواجه الاردن تحدياً من احتمال تضاعف عدد سكانه بحلول عام 2035، خصوصاً في ظل ارتفاع مستوى الخدمات الطبية وانخفاض معدل الوفيات وارتفاع معدل الخصوبة، علماً أن عدد السكان تضاعف مرتين بين 1979 و2000. وسُجّلت نسبة نمو 5,2 في المئة، ووصل معدل الكثافة السكانية إلى 60 نسمة في الكيلومتر المربّع، علماً ان مساحة الأردن هي 89.342 كيلومتر مربع. وتواجه المملكة تحدي التزايد السكاني بسبب شح الموارد وقلة الامكانات، اذ انها تصنف من الدول العشر الاكثر فقراً في العالم بالمياه، في حين يعيش فيها 880 الف مواطن، تحت خط الفقر. اكتظاظ عمراني وسكاني في عمان نشر في العدد: 16659 ت.م: 13-11-2008 ص: 22 ط: الرياض