يسعى الرئيس الاميركي المنتخب إلى تغيير صورة الولاياتالمتحدة في العالم من طريق الاهتمام بمشكلات الحلفاء والأعداء، على حد سواء، وتقليص رقعة الانتشار العسكري الاميركي في العالم، والانسحاب من العراق. وعلى خلاف ما يحسب كثر في الكرملين، ليست روسيا من أولويات السياسة الخارجية الاميركية في الإدارة الحالية أو القادمة. ولكن أثر سياسة أوباما الخارجية الجديدة كبير في روسيا. فقد تخفض الإدارة الجديدة عدد القوات الأميركية بأفغانستان جراء تدهور الاوضاع فيها. وتروج دولة خليجية كبرى والصين اقتراحين في أروقة واشنطن لتأمين مخرج استراتيجي للقوات الاميركية من المأزق الافغاني. واقترح السعوديون إبرام هدنة مع حركة"طالبان"واشراكها في الحكومة، بينما عرض الصينيون إرسال قواتهم إلى أفغانستان للقضاء على الإرهاب الإسلامي. ويترتب على الاقتراح الاول بلوغ اسلاميين متشددين السلطة بآسيا الوسطى، والعودة، تالياً، إلى الوضع السائد في 2001، قبل اطاحة أميركا"طالبان". ويسهم الثاني في هيمنة الصين على آسيا الوسطى. وفي الحالين، ينسحب ال"ناتو"حلف شمال الاطلسي الشيطاني من مواقعه التي حلها قبل نحو سبعة أعوام على مقربة من حدودنا المقدسة، وأمّن حراسة لها. وهذا الانسحاب يخلف ثغرة أمنية كبيرة على حدودنا مع أفغانستان. وفي تصريح الرئيس ميدفيديف الأخير، بدا أن عقيدة معاداة أميركا هي نواة السياسة الروسية الخارجية والداخليّة. فالولاياتالمتحدة، او امبراطورية الشرّ، مسؤولة عن حربنا على جورجيا، وعن فشل سياسات بوتين الاقتصادية، غداة تفاقم الأزمة المالية العالمية. ولم يبد الديموقراطيون الاميركيون حماسة لمشروع الدرع الصاروخية. ومن المستبعد أن يقر"الناتو"توسيع حدوده، وضم جورجيا وأوكرانيا اليه في عهد إدارة أوباما، جراء الرفض الأوروبي والمشكلات الداخليّة الجورجية والأوكرانية. ويبدو أن أوباما مستعد للتفاوض مع روسيا على إبرام معاهدة جديدة خاصة بالأسلحة النووية الاستراتيجية تضفي المشروعية على قدرة كل طرف على إبادة الآخر. ومثل هذه المعاهدة تبعث النشوة في موسكو. فهي تحسب أن مثل هذه المعاهدات دليل على كونها دولة عظمى. ويسعى الكرملين الى ترسيخ فكرة نهضة روسيا بعد عقد من الإذلال أمام الاحادية الأميركية. وقد يتملّق اوباما الروس، ويتكلم على الصداقة مع الشعب الروسي العظيم، ويطلب لقاء ميدفيديف وبوتين لحل المشكلات العالقة، والاعتذار عن الإهانات السابقة. ولكن الكرملين لا يسعه، في هذا الوقت العصيب، ان يخسر بعبع الخصم اللدود الذي يبعث الروح في بطولات سياسته الخارجية. عن أندريه بيونتكوفسكي، موقع"غراني"الروسي، 2008/11/06 نشرت في عدد 16658 ت.م: 2008-11-12 ص: 28 ط: الرياض