نبه سيرغي كاراغانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي («روسيا في غلوبالنوي بوليتيكي»، 20/1)، الى اقتناع النخب الروسية الحاكمة بأن «انتهاج سياسة بناءة تجاه الولاياتالمتحدة، والقبول بالمساومة، وتقديم التنازلات، تلحق الضرر بمصالح روسيا». ورجَّح أن تحمل القضايا الروسية الدولية الملحة، مثل إنقاذ الاقتصاد الأميركي والعالمي والخروج من فخ العراق وحل المشكلة الفلسطينية والحفاظ على استقرار باكستان ومواجهة البرنامج النووي الإيراني والسيطرة على اختلال أفغانستان والتقرب من الصين، على انشغال الولاياتالمتحدة عن تنظيم العلاقات الروسية - الأميركية. ورجح المعلّق إبرام الدولتين، في أثناء السنة، اتفاقاً على الحد من التسلح النووي والصواريخ المزودة برؤوس نووية، وإرجاء واشنطن بناء الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ في أوروبا من غير إلغائها. وتمنى على الخصم الأميركي القوي الامتناع من توسيع حلف شمال الأطلسي، وليس «التأني» فيه، وذلك على طريق صوغ «تصور لتغيير بنية إدارة العالم، وإنشاء قيادة جماعية تتولى فيها الولاياتالمتحدة دوراً رائداً بين مجموعة دول متساوية». وحين عاد الروس والأميركيون الى المفاوضات الثنائية في ميونيخ الألمانية، في شباط (فبراير) - هي شهدت قبل عامين تنديد فلاديمير بوتين ب «الذئب (الأميركي) الخطر الذي صم أذنيه عن سماع ما يقوله الآخرون»، نبّه محللون (فانسان جوفير، «لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، 12 - 18/2) الى طي باراك أوباما صفحة سياسة خارجية أشعرت الروس بهشاشة دفاعاتهم السياسية والعسكرية. وهو عزا الحرب الروسية على جورجيا، في صيف 2008، الى هذه الهشاشة، والى ارتفاع سعر النفط، معاً. وفي وسع المفاوضين الأميركيين التوسل برغبة الروس في تقليص كلفة المحافظة على الأسلحة النووية أو تدميرها، وهي كلفة ثقيلة، الى مراعاة روسيا، والإقرار لها بمكانتها النووية. والمجال النووي هو البقية الباقية من مكانة روسيا السابقة ونديتها بإزاء الولاياتالمتحدة. فإذا قبلت واشنطن إشراك موسكو في الدرع المضادة للصواريخ (الإيرانية)، و «النظر» في توسيع «الأطلسي»، فربما صار في مستطاعها مقايضة «ورقة» إيران بيد موسكو. والأرجح ألا ترضى موسكو. والأرجح ألا ترضى موسكو بالانسحاب من السوق الإيرانية، وتقليص نفوذها في دائرة الخليج تالياً، من غير مقابل سياسي واقتصادي. وشروط الصفقة هي تخلي واشنطن عن الدرع الصاروخية، وترك توسيع «الأطلسي»، والتوقيع على معاهدة الحد من الصواريخ النووية (ستارت - 2)، فتتخلى روسيا عن إيران النووية، وتفتح طريق الإمداد العسكري الأميركي والأطلسي الى أفغانستان. ولم تحمل إعلانات الصداقة الأميركية والأوروبية (الألمانية خصوصاً) تجاه روسيا، ولا الضائقة الاقتصادية التي حلّت بهذه، الكرملين على الاعتدال. فالاغتيال السياسي الداخلي (والخارجي) لم ينقطع ولم يهدأ، على ما نبّه جاكسون دايل («واشنطن بوست»، 23/2). ومنحت حكومة بوتين قيرغيزستان بليوني دولار مكافأة على سد شريان الإمداد العسكري الاميركي الحيوي الى أفغانستان، وهو القاعدة الجوية (واقترح بوتين استبداله بممر روسي يتيح له مراقبة عمليات قوات «الأطلسي»). والمسؤولون الروس لم يعدلوا عن «خطاب هستيري» مناوئ لجورجيا. ولم يستبعد مراسل «نوفايا غازيتا» العسكري، بافل فيلغنهاور، شن الروس عملية عسكرية على جورجيا، صيف 2009، غايتها إسقاط ميخائيل ساكاشفيلي. وكان فيلغنهاور نفسه حذر، في أثناء 2008، من حرب تقودها القوات الروسية على تبليسي، ولم يلق أذناً صاغية. واستئناف نشاط مجلس روسيا - ال «الناتو»، 6 أشهر غداة تعليقه، حمل ميدفيديف، الرئيس الروسي، على اقتراح خطة أمنية أوروبية - أطلسية لم يعلن تفاصيلها (ميخائيل زيغر، «كوميرسانت» الروسية، 6/2). ولم يثنه، في آن واحد، عن التلويح بنشر صواريخ «اسكندر» في كاليننغراد، أو بروسياالشرقية السابقة، مضت واشنطن على درعها الصاروخية بأوروبا أم نقلتها الى السواحل المتوسطية. فتوسيع «الأطلسي»، ولو بقي معلقاً، تراه موسكو، بحسب سيرغي كاراغانوف («روسيكيا غازيتا»، 13/3) «يعوق تخلص أوروبا من إرث الحرب الباردة»، ويكرس هذه الحرب في صلب المؤسسات. ضعف الحيلة النووية وفي المجالات الكثيرة التي أحصتها المقالات الصحافية، تعاقبت خطوات الرئيس الأميركي، ونظيرها خطوات الدول أو الجماعات المعنية. فبادرت الحكومة الباكستانية في أوائل آذار (مارس) الى التخلي عن إقليم سوات الى طالبان، و «إدارتهم الذاتية» للإقليم (قيصر بنغالي، «دون» الباكستانية، 1/3). وعلى خلاف الاتفاق، أنشأ تنظيم طالبان «حكومة موازية»، وزحف على مدينة بونير، والى مديرية شانغلا («بوست» الباكستانية، 25/4)، واحتلهما. وبدا ذلك فرصة للتشكيك في التزام باكستان، والولاياتالمتحدة نفسها، الحرب على طالبان. فنبه جون ميولر (موقع «فورين أفيرز» الالكتروني، 17/4) الى أن «زعم» أوباما أن أمن العالم على المحك في أفغانستان لا صحة له. وعلى هذا، فما يبقى من أفغانستان هو «قضية إنسانية»، ولا يرغب الأميركيون في بذل دماء في سبيل قضية إنسانية. ويرجح الكاتب أن يجد الرئيس الأميركي عسراً في إقناع الأميركيين بالبقاء في أفغانستان، والقتال هناك. ولكن أوباما مال، بعد أشهر طويلة من المداولة والفحص، الى استجابة خطة الجنرال ماك كريستال، ولبى طلبه زيادة عديد الجنود. وبدت السياسة الأميركية، ومعها السياسة الدولية، ضعيفة الحيلة بإزاء أفعال عسكرية أو ديبلوماسية متحدية. فتوالت ردود استفزازية، إيرانية وكورية شمالية وإسرائيلية وفنزويلية وكوبية وروسية وغيرها، على مد الرئيس الأميركي يده الى تلك البلدان. فأطلقت، طهران، في الأسبوع الثاني من شباط (فبراير) قمراً اصطناعياً، «أوميد» (الأمل)، يزن 27 كلغ وقاصر عن حمل الألف كلغ التي يزنها رأس نووي. ونجح الحرس الثوري، قيادة وتقنيين، في وضع القمر على مداره بواسطة الصاروخ. وأدخل هذا إيران في نادي البلدان الثمانية «القمرية»، عشية مفاوضات مباشرة مزمعة مع الدول «الست» الكبيرة (سارة دانيال، «لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، 12 - 18/2). والإطلاق إجراء تقني متواضع، سبقت إليه كوريا الشمالية في 1998. ولكنه، على ما لاحظ خبراء تسلح، من طبقتين. وفي وسعه تجاوز ال2000 كلم التي يبلغها «شهاب -3». ولا يحول ضعف دلالته العسكرية دون دلالة سياسية «قوية» وكثيرة الأوجه: الإصرار على التسلح على رغم تحفظ المجتمع الدولي ومعارضته، ودعوة الصقور الأميركيين الى التشدد وأنصار الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ الى المضي على الخطة، وتجديد زهو رئيس أضعفته الأزمة الاقتصادية قبل 4 اشهر من انتخابات رئاسية حاسمة. وهذا جزء من رد خامنئي، المرشد ومركز السلطة الراجح في النظام، على «مفعول (أو أثر) أوباما» العظيم في طهران، على ما يحسب برنار غيتّا («ليبراسيون» الفرنسية، 18/2). وتوقع الحال السياسة الأميركية في حيرة: فإذا هي باشرت مفاوضة أحمدي نجاد «أسهمت في استعادته الخطوة لدى الناخبين». ومن وجه آخر، قد يؤدي إحراجه الى إلزامه اتفاقاً على وجه السرعة وغير مدروس. وفي الأيام الأخيرة من آذار (مارس) أطلقت كوريا الشمالية صاروخ تايبودونغ - 2 البعيد المدى، والعصي على الاعتراض. فأثارت قلق كوريا الجنوبية واليابانوالولاياتالمتحدة. ودعا الإطلاق الدول الثلاث الى نشر المدمرة «سيونغ»، ومدمرتين أميركيتين، وتسيير مدمرة يابانية (دونالد كيرك، «إيجيا تايمز» الباكستانية، 28/2). ولوحت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، ببحث المسألة في مجلس الأمن. ومشروع الرد الأميركي «دليل على ضعف جاهزية» الدول الثلاث مجتمعة. والإطلاق الكوري الشمالي مقدمة سياسية تمهد الى الانسحاب من مفاوضات الدول الست، والى استئناف الأنشطة النووية. وتدغدغ بيونغ يانغ مشاعر الكوريين الجنوبيين والشماليين القومية، وتبعثهم على «الفخر» بالإنجاز العسكري والعلمي الكوري، وبتحدي اليابانوالولاياتالمتحدة معاً، وعلى التستر على تضامنهم مع اليابان إذا نشب نزاع عسكري كوري شمالي - ياباني (مستبعد)، وأجمعت الدول الثلاث على سقوط الصاروخ، وطبقاته الثلاث، في البحر (تشانغ يونغ - هون، «ماييل كيونغجي» الكورية الجنوبية، 6/4)، على خلاف زعم بيانغ يانغ أنه وضع قمراً اصطناعياً في مداره.