بدأت رياح التغيير التي وعد بها المرشح الأفريقي الأميركي باراك أوباما تصل الى منطقة الشرق الأوسط، وأول المتحمسين لها جمهور برنامج"مناظرات الدوحة"الذي يبث اليوم وغداً عبر شاشة"بي بي سي وورلد"برعاية مؤسسة قطر، ويقدمه الإعلامي الشهير تيم سيباستيان، وهو أظهر عشية الانتخابات الأميركية أن غالبية العرب تفضل المرشح الديموقراطي على منافسه الجمهوري بهامش كبير. وفيما أثبتت التجارب أن الانتخابات الرئاسية باتت حكماً على أداء الرؤساء المنتهية ولايتهم، صوّت 87 في المئة من الحضور الذي يمثل شريحة متنوعة من المواطنين من أنحاء العالم العربي، لمصلحة أوباما، في مقابل 13 في المئة لمصلحة المرشح الجمهوري جون ماكين، بعدما انطلقت الحلقة من رأي يماثل موقف كثيرين ممن يخشون التغيير، مفاده أن" الشرق الأوسط سيكون أفضل في ظل جون ماكين سيّداً للبيت الأبيض". ورأت ضيفة الحلقة رئيسة دراسات العلاقات الخارجية والدفاع في مركز الدراسات"اميركان انتربرايز انستيتيوت"محافظون جدد دانييل بليتكا، أن أوباما لا يتمتع بالخبرة اللازمة للنجاح كقائد، وقالت ان تبدل موقفه من مواضيع على هذا القدر من الأهمية، كالصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، تشكل مؤشرات مقلقة حيال اتخاذه قراراً ما مستقبلاً. وأضافت:"العالم تنفعه أميركا قوية"، معتبرة أنه"إذا شهد بلدنا تحولاً، اظن ان المنطقة العربية ستشعر بالقلق من فقدان الحماية التي توفرها الولاياتالمتحدة"، مشيرة الى انه"من غير المسؤول مغادرة العراق كما يقترح اوباما ان يفعل، اذا غادرنا البلد وهو على حاله الآن، سيفتح عندها الباب امام ايران للسيطرة على العراق، وهذا ليس بالأمر الجيد للمنطقة أيضاً". أما الضيف الآخر مايكل سيغنر المستشار السابق للسناتور الديموقراطي جون إدواردز، فقال انه"لدى اوباما القدرة لأن يكون تحويلياً أصيلاً، وأن يكون زعيماً يستمع الى الخصم يحاضر، ويفكر قبل ان يتصرف". ورأى أن سياسات ماكين المتعلقة بالسياسة الخارجية، يمكن الحكم عليها من خلال سجل الإدارة الحالية، وهي بالتالي مشاعر"مزعجة ومتطرفة". ولم يبد الضيف الثالث وزير الإعلام والثقافة الكويتي السابق سعد العجمي، أي اهتمام بالسياسات الداخلية الأميركية، لكنه ركز على من هو افضل من المرشحين للتعامل مع المنطقة العربية وشعبها. وقال ان"الاكثر اهمية هو ملف الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني الذي قال ماكين انه سيمضي فيه باقتراح حل الدولتين كما طرحه الزعماء العرب". وحذر من ان انسحاباً أميركياً من العراق سيدخل البلاد في فوضى، لافتاً الى انه"مع اننا لا نرغب في حرب مع ايران، لكننا لا نرغب في تطمينها ايضاً، لذا اعتقد ان ماكين هو افضل رجل من وجهة النظر العربية". ونقد المدير السابق لمكتب قناة"الجزيرة"في واشنطن حافظ الميرازي، هذا الرأي، معتبراً أن أي رجل في البيت الابيض سيكون افضل من ماكين. وقال ان"جورج بوش جعل اميركا والعالم العربي اسوأ مما كانا عليه قبل 8 سنوات". كما اشار الى تشبيه اوباما الخلاف بين ماكين وبوش بالخلاف بين روبن وباتمان. وفيما يبدي أوباما ميلاً كبيراً الى الديبلوماسية والحوار، استغرب الميرازي كيف يمكن أحداً أن يثق بماكين الذي يسلّي نفسه بترداد أغنية"أضرب أضرب إيران"، وهو اختار صائدة غزلان الموظ، لا خبرة مهمة لديها نائبة له. وأثبت ماكين وبايلن انهما يفتقدان إلى الصدقية والقدرة على الإقناع مع افتقادهما لأية سياسة معقولة للخروج من الأزمات الراهنة. وإذ غابت عن البرنامج الأزمة الاقتصادية الأميركية، على رغم تداعياتها على السياسة الخارجية وموازنة الدفاع، لا بد من الإشارة الى أن ماكين دعم أربعة من موازنات بوش الخمس التي نقلت اميركا من تحقيق فائض في عهد الرئيس بيل كلينتون الى اكبر عجز في التاريخ. وتحدث المرشح الجمهوري عن العمليات العسكرية في أكثر من مناسبة حتى قبل ترشيحه بفترة طويلة، ففي أيار مايو 1994، كان من حض إدارة كلينتون على الاستعداد لتدخل عسكري ضد كوريا الشمالية على خلفية برنامجها النووي، وليس تنفيذ عملية عسكرية سريعة. وفي خطاب ألقاه في العام 1999 دعا ماكين الولاياتالمتحدة لدعم"القوى الأهلية والخارجية"المعارضة للأنظمة في"الدول المارقة مثل العراقوكوريا الشمالية وغيرهما". وتبلور تأييد ماكين للجوء إلى القوة العسكرية اخيراً في النزاع الجورجي- الروسي في آب أغسطس الماضي، حين دعا حلف شمال الأطلسي إلى التحرك لمنع مزيد من التوغل الروسي في جورجيا. لكن ما غاب عن المتحاورين هو ان الاختلافات بين أوباما وماكين حيال الحرب على العراق، تغطي على التشابه الكبير بين مواقفهما حيال استخدام القوة الأميركية في أماكن أخرى. ويتفق المرشحان على مسار تحرك في أفغانستان من شأنه أن يقود إلى التزام طويل الأمد للجنود الأميركيين من دون أن يشيرا إلى مدة ذلك أو ما هي الظروف التي ستؤدي إلى انسحابهم. وفي مناظراتهما الانتخابية، أيد اوباما وماكين تعزيز القوات الأميركية المسلحة، واقترح زيادتها ب92 ألف جندي وماكين ب150 ألفاً. وتحدثا عن أوضاع معينة يكون فيها على الولاياتالمتحدة أن تُلزم قواتها بمهمات في الخارج لأسباب"أخلاقية"بغض النظر عما إذا كانت المصالح الأميركية الحيوية في خطر أم لا. ويكمن الاختلاف بين المرشحين في ان أوباما متحمس لإنهاء الحرب على العراق في حين يقول ماكين انه لا يمكن إنهاؤها سوى ب"النصر". ولم ينأ أوباما كثيراً بنفسه عن مواقف قد تقود إلى تنفيذ هجوم عسكري في أفغانستان وضد أهداف في باكستان وضد إيران ضمن حدود المعقول، وإن ركزت حملته على أهمية تبني الخيار الديبلوماسي والنمو الاقتصادي وغيرهما من الأساليب قبل اللجوء إلى القوة. ويشير اوباما إلى قضايا إنسانية قد تدفع بالولاياتالمتحدة إلى الالتزام عسكرياً ببعض المناطق في الخارج، كجرائم الإبادة الجماعية في رواندا ودارفور التي يرى انها تبرر التدخل العسكري الأميركي، وان كان يلفت الى ضرورة التشاور والتعاون مع الحلفاء. ويرفض الاثنان القبول ب"إيران مسلحة نووياً"، ويؤكدان انهما مستعدان للجوء إلى القوة العسكرية إذا حاز الإيرانيون سلاحاً نووياً. وتبقى الكلمة الفصل للناخبين الأميركيين، الذين ربما ينتظرون حدثاً ما قد يقلب المعادلة ويعيد رسم درب أصواتهم، قبل أن يقفوا أمام صندوق الاقتراع ليدركوا ربما أن الحلم الأميركي المتمثل بالمرشح الأسمر الفصيح باراك أوباما قد لا يشبه بالضرورة تطلعاتهم.