بعد ساعات قليلة من قيام الجيش الإسرائيلي بهدم مزرعة أقامها احد قادة الاستيطان في مدينة الخليل نوعام فريدمان، كان المستوطنون وضعوا من جديد الاساسات لإعادة بناء المزرعة المؤلفة من بيت وحظائر. ومع نهاية الاسبوع، كان البناء عاد كما كان. وفي الوقت نفسه، شن المستوطنون هجمات ضد منازل عدة وألحقوا اضرارا بمدافن في مقبرة اسلامية وشقوا اطارات سيارات يملكها فلسطينيون قرب مستوطنة"كريات اربع". واصيب مصور يعمل مع وكالة"فرانس برس"امس عندما قذف مستوطنون مجموعة من الصحافيين بالحجارة في الخليل. وكان هذا المصور جاء مع صحافيين آخرين لمعاينة الاضرار التي لحقت بمنزل فلسطيني بعد قيام الشرطة خلال الليل بتفكيك مستوطنة عشوائية. وهذه واحدة من مرات قليلة يقوم فيها الجيش الاسرائيلي بإزالة بؤرة استيطانية من تلك التي يصفها ب"غير الشرعية"، وهو الوصف الذي تطلقه الحكومة على مستوطنات تقام من دون ترخيص بسبب حجم تأثير اللوبي الاستيطاني الذي وصل ليس فقط الى المؤسسة السياسية، بل ايضا الى مستويات المؤسسة العسكرية المختلفة، من القيادة وحتى القاعدة. ونقلت وسائل اعلام اسرائيلية انباء عن قيام الجيش بالكذب على جنوده اثناء تنفيذ عملية اخلاء المزرعة وهدمها تجنباً لردود فعل المعارضين منهم لاخلاء البؤر الاستيطانية. وقالت صحيفة"معاريف"إن الجيش نشر قوة من لواء"غفعاتي"الشهير حول المزرعة، وابلغ جنود القوة بوجود"انذار لتسلل ارهابيين"لمنع اي كان من الاقتراب من الجنود الذين قاموا بأعمال الهدم. وقالت الصحيفة إن الجنود اكتشفوا في ساعات الصباح فقط انهم كانوا يحرسون قوة قامت بهدم المزرعة الاستيطانية. ونقلت عن احد افراد القوة قوله:"لقد خدعونا، ولو عرفنا ان الامر يتعلق بهدم منزل يهودي، لما تصدينا للشبان الذين حاولوا المساعدة، وحتى الآن لا أصدق نفسي انني قمت بشيء يتعلق بإخلاء مستوطنة". وجاء هدم مزرعة فريدمان مفاجأ للكثيرين ممن لا يعرفون السبب الحقيقي الامني لهدمها، خصوصا ان اسرائيل اتبعت سياسة متسامحة تجاه المستوطنين ممن يطلقون على انفسهم اسم"شبيبة التلال"الذين ملأوا جبال الضفة الغربية وتلالها بالبؤر الاستيطانية. ففي مستوطنة"ايتمار"المقامة على أراض في قرى شرق نابلس، سيطر المستوطنون على السلسلة الجبلية الممتدة بطول 20 كيلومترا حتى مشارف الاغوار، حتى باتت مساحة المستوطنة تزيد عن مساحة المدينة التاريخية التي يصل عدد سكانها إلى 150 ألفاً. وحسب رئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس خليل التوفكجي، فإن عدد البؤر الاستيطانية في الضفة بلغ 116 بؤرة، وان اسرائيل تتجنب ازالة اي من هذه البؤر حتى لو صدر قرار قضائي بذلك. واضاف:"لقد هدمت اسرائيل مزرعة فريدمان ليس لأنها تنوي ازالة بؤرة استيطانية، وانما لان هذه البؤرة تسبب لها اشكالات امنية، اذ يصعب عليها توفير الحماية الامنية لها لقربها من البيوت العربية". واضاف:"توجد بؤر اخرى كسب اصحاب الارض دعاوى قضائية تطالب بإخلائها عن اراضيهم، الا ان الحكومة ترفض التنفيذ مثل بؤرة ميغرون المقامة على اراضي برقة ومخماس شرق رام الله". وكشف المستوطنون في الاشهر القليلة الماضية تشكيل ميليشيات عسكرية مسلحة ومنظمة في الضفة شنت هجمات مسلحة على عدد من المناطق الفلسطينية شملت اطلاق صواريخ بدائية، وتخريب شبكات الهاتف والكهرباء، وقطع اشجار زيتون، وتحطيم بيوت وسيارات، وحرق ممتلكات، واطلاق نار، وترويع واغلاق مناطق وحقول، ومنع سكانها من الوصول إليها. وشكّل استعراض المستوطنين رسالة مزدوجة. فمن جهة، ارادوا اظهار قوتهم امام الحكومة الاسرائيلية التي عرض نائب رئيسها حاييم رامون قانونا على الكنيست يهدف الى اعادة نقل المستوطنين وتركيزهم في مناطق خلف الجدار. ومن جهة ثانية، ارادوا ترويع الفلسطينيين ودفعهم لهجر حقولهم القريبة من المستوطنات، لتتحول تدريجا الى مناطق توسع لهذه المستوطنات. أوروبا تدين ممارسات المستوطنين في الخليل من جانبه، حض الاتحاد الاوروبي الحكومة الاسرائيلية على وضع حد من دون إبطاء للممارسات التي يرتكبها مستوطنون ضد الفلسطينيين في مدينة الخليل في الضفة الغربية. وقال بيان اصدرته الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي ان الاتحاد"يدين مجددا بأقوى العبارات اعمال العنف والوحشية"التي يتعرض لها"مدنيون فلسطينيون". ودعا الحكومة الاسرائيلية الى"اتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع حد فوري"لأعمال العنف"في ظل احترام التزاماتها الدولية". وتشكل اعتداءات المستوطنين على المزارعين الفلسطينيين احراجاً للسلطة الفلسطينية التي تعمل على نزع سلاح الميليشيات والمجموعات المسلحة في الاراضي الفلسطينية ضمن خطة تهدف الى اعادة فرض النظام والقانون. وابلغ مسؤولون امنيون فلسطينيون نظراءهم الاسرائيليين في الاجتماعات الاخيرة ان تواصل اعتداءت المتسوطنين يؤدي الى عودة ظاهرة الميليشيات الفلسطينية، وتعزيز قوة"حماس". وقال وكيل وزارة الداخلية الفلسطينية اللواء راجي النجمي إن اعتداءات المستوطنين هذه تضعف حجة السلطة الفلسطينية في نزع السلاح. واضاف:"ففي الوقت الذي نقوم فيه بنزع سلاح الميليشيات، يقوم الاسرائيليون ببناء ميليشياتهم". واضاف:"معلوم ان هذه الميليشيات الاستيطانية محمية من الجيش الاسرائيلي وتحمل اسلحة مرخصة يتسلّمها المستوطنون من الحكومة". 170 مستوطنة في الضفة وتقيم اسرائيل نحو 170 مستوطنة في الضفة 15 منها في القدس يعيش فيها نصف مليون مستوطنون 131 ألفا منهم في القدس. ويلعب المستوطنون دورا متزايدا في الحياة السياسية الاسرائيلية نظرا لما يتمتعون به من قوة سياسية متنامية. وتظهر البرامج الانتخابية للاحزاب الاسرائيلية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية ان هذه الاحزاب تتنافس بشدة على القوة الانتخابية للمستوطنين، اذ افردت غالبيتها شعارات مثل: سنواصل الاستيطان في يهودا والسامرة، ولن نتخلى عن الاستيطان في القدس، ولن نتنازل عن ذرة من تراب القدس، ولن نتفاوض على القدس وغيرها. ويشكل الاستيطان في الضفة، خصوصا في القدس، العقبة الكبرى امام التوصل الى اتفاق سياسي بين الفلسطينيين واسرائيل. ففي المفاوضات التي انطلقت في مؤتمر انابوليس في تشرين الثاني نوفمبر العام الماضي، طالب الاسرائيليون بضم مستوطنات القدس والاحياء والبؤر الاستيطانية في المدينة، وايجاد ترتيبات مشتركة للاماكن الدينية. وطالبوا بتجميع مستوطني الضفة في المناطق الواقعة خلف الجدار وضمها للدولة العبرية، واعطاء الفلسطينيين اراض بديلة في مناطق مختلفة في الشمال والجنوب وقرب قطاع غزة. لكن الفلسطينيين رأوا في العرض الاسرائيلي سلبا للجزء الاهم من اراضي الضفة، وهي القدس والمناطق الغربية الحدودية. ولتكريس مسعاها الى ضم القدس، ضاعفت الحكومة الاسرائيلية من مشارعيها الاستيطانية في القدس في العام الاخير بصورة غير مسبوقة خمسة اضعاف. ويرى رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض ان الاستيطان في الضفة، خصوصا في القدس، يهدد خيار الدولتين ويعيدنا الى خيار دولة ثنائية القومية. وقال:"بات الحل القائم على أساس حل الدولتين على حدود عام 1967 يترنح ويتعرض لخطر الانهيار تحت وطأة 170 مستوطنة، ونحو نصف مليون مستوطن". وتدرك النخب الاسرائيلية مخاطر عودة خيار الدولة ثنائية القومية على الطبيعية اليهودية لاسرائيل، لكنها لم تصل بعد الى اجماع قومي على شكل الدولة الفلسطينية ومساحتها وحدودها، ما يعيق التوصل الى حل سياسي للصراع التاريخي بين الشعبين. وكان رئيس الوزراء الحالي ايهود أولمرت خاطب الاسرائيليين في تجمع مهم في وقت سابق العام الحالي محذرا من انهيار خيار حل الدولتين، وقال:"سنواجه حينها صراعاً على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا من أجل المساواة في حق التصويت".