هذا الأسبوع بدأ تسجيل اسماء ملايين الناخبين الذين سيشاركون في انتخابات الرئاسة الأفغانية السنة المقبلة، ما يعيدنا الى قول الرئيس جورج بوش في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوعين ان أفغانستان تحولت من دولة تؤيد الإرهاب الى دولة ديموقراطية تحارب الإرهاب. هل هذا صحيح؟ طبعاً لا، كأكثر كلام الرئيس الأميركي الذي يقرأ ما يُكتب له ويصدقه. لا أريد من القارئ ان يصدقني أنا، وأختار ان"أزفَّ له آراء الآخرين هنا، وهم أكثر صدقية من الرئيس ومني. - البريغادير مارك كارلتون سميث، قائد القوات البريطانية في أفغانستان، اعترف بأن الحرب على طالبان لن تنتهي بنصر عسكري حاسم، مع انه كان قال في حزيران يونيو الماضي إن القوات البريطانية وصلت الى نقطة تحول في حربها على طالبان التي اعتبرها"مقطوعة الرأس"بعد قتل قواته ستة من قادتها. الآن اصبح البريغادير يقول ان من الواجب الحد من التوقعات، وإن كل ما يطمح إليه هو خفض العنف الى مستوى محتمل. ولعل من أسباب خفض التوقعات ان البريطانيين خسروا في ستة أشهر 32 رجلاً مع 172 جريحاً في وجه عدو لا يكلّ أو يملّ. - الجنرال ديفيد بيتريوس الذي ترك العراق بعد ان نجح في خفض العنف فيه، ليتسلم القيادة المركزية الأميركية حوَّل جهده الآن نحو أفغانستان، وهو في أول مقابلة صحافية له توقع ان تسوء الحرب كثيراً في أفغانستان قبل ان تتحسن. ومع انه تحدث عن زيادة القوات هناك، فإنه ركز على حل غير حربي عبر مصالحة وطنية. واعترف بيتريوس بأن إخراج طالبان من المناطق التي يسيطرون عليها سيكون صعباً جداً، وفهمت من كلامه انه يفكر في شيء على طريقة"الصحوات"العراقية في أفغانستان. - الديبلوماسي الفرنسي جان فرنسوا فيتو نقل عن السفير البريطاني في كابول السيد شيرارد كاوبر - كولز قوله في اجتماع خاص الشهر الماضي ان نصراً عسكرياً في أفغانستان غير ممكن، وإن وجود التحالف الغربي، خصوصاً الوجود العسكري، جزء من المشكلة، لا الحل، والمطلوب هو"ديكتاتور مقبول"، أي"صدام لايت"لأفغانستان. وأرسل الديبلوماسي الفرنسي مذكرة الى حكومته عن كلام السفير البريطاني فسرِّبت ونشرتها مجلة فرنسية. كل الآراء السابقة جاءت بعد خطاب الرئيس بوش، وأصحابها في موقع الحدث وخبراء ومطلعون، وهي صفات لا تنطبق على الرئيس الأميركي. إذا كان لي أن أترجم الوضع في افغانستان الى كلمات يفهمها القارئ فهو ان التحالف الغربي بقيادة الناتو خسر الحرب في افغانستان، فرجال طالبان على أبواب كابول، والرئيس حميد كرزاي يستنجد بالمملكة العربية السعودية وباكستان لرعاية مفاوضات بين حكومته وطالبان، إلا ان قادة طالبان يرفضون طالما ان هناك وجوداً عسكرياً أجنبياً في البلاد، والرافض عادة هو الجانب الأقوى. هذه السنة شهدت أعلى درجة من العنف في أفغانستان منذ سنة 2001، فقد قتل ثلاثة آلاف حتى الآن أكثرهم من المدنيين كالعادة، وإلى درجة ان الرئيس كرزاي نفسه احتج على الغارات الأميركية التي تقتل المدنيين. الغارات أثارت حفيظة الحكومة والعسكر في باكستان ايضاً، فقد شنت قوات اميركية خاصة هجمات على مواقع القاعدة في وزيرستان عبر الحدود، وهدد ناطق عسكري باكستاني بالتصدي للطائرات والغارات البرية الأميركية. الأميركيون يتحدثون بعد كل غارة عن قتل"إرهابيين"، ثم نسمع من السكان المحليين ان مدنيين قتلوا ايضاً. والشيء الوحيد الأكيد في الموضوع ان الغارات لم تضعف مقاومة طالبان او القاعدة، وأنها استفزّت المسلمين في المنطقة والخارج، فالمعلومات الغربية تقول ان مقاتلين من الشيشان وأوزبكستان وباكستان يساعدون طالبان، وإن القاعدة لا تزال تجتذب مقاتلين من أكثر البلدان الإسلامية. كيف يمكن ان تهزم جماعة متخلفة مثل طالبان وإرهابية مثل القاعدة حلف الناتو وحلفاءه الآخرين؟ عندما هاجمت إدارة بوش افغانستان بعد إرهاب 11/9/2001 أيَّدها العالم كله، إلا انها خاضت نصف حرب هناك وانتقلت لتشن حرباً غير مبررة، ولأسباب ملفقة، عمداً على العراق، وتقتل مليون إنسان بريء، وترتكب كل خطأ ممكن ذهاباً وإياباً، حتى أصبح السكان المحليون يفضلون طالبان المتخلفة والقاعدة الإرهابية على الديموقراطية الموعودة.