إذا فشل باراك أوباما في تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي فعذره أنه منذ 1948 فشل عشرة رؤساء أميركيين سبقوه. وأشعر بالتالي بأن الاختبار الحقيقي لأداء الرئيس الجديد في السياسة الخارجية سيكون في أفغانستانوباكستان أكثر منه في الأراضي الفلسطينية. بعد مئة يوم لباراك أوباما في الحكم أجد أن حظه الطيب المعروف الذي نقله من مجلس ولاية ألينوي الى مجلس الشيوخ ثم البيت الأبيض بدأ يتخلى عنه، فمجرد وجود الإرهابي بنيامين نتانياهو في رئاسة الوزارة الاسرائيلية سبب كاف للفشل، فهو سيلعب الدور المعطل نفسه الذي لعبه عندما رأس الوزارة الاسرائيلية بين 1996 و 1999، ولم يترك وقتاً كافياً للرئيس بيل كلينتون لإكمال عملية السلام، فكان اتفاق الأطر في الأسابيع الأخيرة من ولايته الثانية، وفات الوقت وجاء الى الحكم مجرم الحرب آرييل شارون ليدير العملية كلها بمساعدة جورج بوش. بعد ثلاث سنوات أو أربع لنتانياهو في الحكم، إذا لم تسقط حكومته نتيجة لخلاف الشركاء فيها، تكون ولاية أوباما انتهت أو أوشكت على الانتهاء، ويبدأ الحديث عن ولاية ثانية وجهد جديد. الرئيس أوباما استقبل الملك عبدالله الثاني وراجع معه المبادرة العربية، ثم دعا الرئيس حسني مبارك والرئيس محمود عباس ونتانياهو لمقابلته خلال الشهرين المقبلين، ولكن ماذا يستطيع أن يفعل. نتانياهو بدأ مطالباً باعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل دولة يهودية، ثم أكمل مشترطاً وقف البرنامج النووي الإيراني للسير في عملية السلام، وهو بذلك يريد من أقوى دولة في العالم أن تعمل شرطياً عنده، ثم أنه يكذب كما يتنفس، فلو فرضنا جدلاً أن ادارة أوباما أوقفت البرنامج سلماً، أو بضربة عسكرية ترد عليها ايران في الشرق الأوسط كله، فإن اسرائيل لن تنفذ جانبها من عملية السلام، والكونغرس الأميركي سيمنع الإدارة من أي ضغط مؤثر على اسرائيل. في غضون ذلك اسرائيل تهدم بيوت الفلسطينيين في القدس وحولها، وتمضي في بناء المستوطنات، ويتحدث وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان عن «ترانسفير» أي طرد بقية الفلسطينيين من بلادهم، ثم يرفض مبادرة السلام العربية لأنها بحسب زعمه تنص على عودة اللاجئين، مع أن المبادرة تنص على حل عادل لقضية اللاجئين، أي التفاوض ثم الوصول الى حل برضا الجانبين. السلام في مثل هذا الوضع مستحيل، وهذا من دون أن نزيد مسؤولية الفلسطينيين، فمفاوضات المصالحة في مصر تسير نحو الفشل، والنوايا سيئة، ومع ذلك يريد الفلسطينيون من العرب والمسلمين والعالم كله أن يساعدوهم، وهم لا يساعدون أنفسهم. عندما يفشل باراك أوباما في تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي سيجد أعذاراً كافية لفشل لا يمكن أن يحمل الرئيس شخصياً المسؤولية عنه، غير أن الوضع مختلف بالنسبة الى أفغانستان والعراق. أريد لأوباما أن ينجح رئيساً، إلا أنني أخشى أن تصبح أفغانستان له ما كانت فيتنام للرئيس جونسون. لا خلاف اطلاقاً على وجوب مواجهة طالبان في أفغانستان، وتفكيك الإرهاب فيها، ومنع الوضع في باكستان من الانهيار، فالبديل من الحكم المدني القائم هناك هو انقلاب عسكري وسيطرة قادة متحالفين مع طالبان في بلد يملك سلاحاً نووياً. باراك أوباما أعلن زيادة القوات الأميركية، وخذله حلفاؤه في الناتو فلم يزيدوا قواتهم كما طلب. وهو خصص مساعدات لباكستان، وخطط لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلدين. غير أن الوضع على الأرض يظهر أن طالبان على أبواب كابول، وأن قواتها تسيطر على مقاطعات ومدن على بعد مئة كيلومتر من اسلام اباد نفسها، والقائد الأميركي ديفيد بيتريوس حذر بنفسه من كارثة. بكلام آخر، حركة طالبان انتصرت على ادارة بوش قبل أن يأتي باراك أوباما الى الحكم، وهو الآن يحاول أن ينتزع نصراً من أشداق الهزيمة، ولا يستطيع ترك أفغانستان لرجال طالبان المتخلفين دينياً وإنسانياً، لأن الإرهاب المنطلق من أفغانستان سيلاحق الأميركيين والعالم كله، ولأن باكستان ستكون أولى ضحاياه. وأزعم أن واجب العرب والمسلمين قبل غيرهم أن يساعدوا ادارة أوباما على دحر طالبان وإرهاب القاعدة، وهو واجبهم لأهميته ولأن الإرهاب طلع من بينهم، ولأن النجاح مع ادارة أوباما يبرر أن يطلب منها العرب والمسلمون الاستجابة لطلباتهم العادلة في فلسطين وغيرها.