بدا "المؤتمر الدولي للاتصالات وخدمات الخليوي والانترنت لدول شمال افريقيا"الذي عقد في القاهرة في 14 و15 تشرين الأول اكتوبر الجاري، وكأنه استثناء، إقليمياً ودولياً، لجهة عدم تأثره بالأزمة المالية العالمية، إذ استبعد 850 من كبار الخبراء تأثير تلك الأزمة على الاتصالات، خصوصاً في شمال أفريقيا. وتوقع الخبراء استمرار تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية على هذا القطاع في مصر والسودان وشمال أفريقيا خلال السنوات الخمس المقبلة. كما توقعوا أن يتجاوز متوسط نمو المشتركين في خدمات الخليوي في شمال افريقيا نسبة 15 في المئة عام 2009، فيما لا يتجاوز النمو نفسه في غرب أوروبا وأميركا الشمالية 5.6 في المئة، ما يفسر الاهتمام المتزايد من المستثمرين بتلك السوق. وفي هذا السياق، بيّن نيكولاس غوتشكي المتخصّص في تحليل أسواق الدول النامية إن قطاع الاتصالات في المنطقة سيشهد تطوراً كبيراً في السنوات القليلة المقبلة، مستفيداً من التدفقات المالية الضخمة. واعتبر أن سوق الخليوي في شمال أفريقيا هو الأكبر في القارة، مشيرا إلى جاذبية تلك المنطقة للمستثمرين. وبحسب تقديرات ظهرت في المؤتمر، يتوقع أن يقفز عدد مستخدمي الخليوي في شمال أفريقيا إلى 158 مليونا في نهاية عام 2012 ما يرفع نسبة انتشاره إلى 70 في المئة من سكانها، مقابل 102 مليون مستخدم ونسبة انتشار 50 في المئة في العام الماضي. وتترافق هذه الأرقام مع النمو السكاني المتزايد، إذ يتوقع أن يصل عدد سكان تلك المنطقة إلى 230 مليون نسمة عام 2012. وتأتي مصر والسودان على رأس الدول في نمو سوق الاتصالات، إذ تصل نسبة انتشار الخليوي في مصر إلى 41 في المئة، مقابل 21 في المئة في السودان، بحسب إحصاءات آذار مارس 2008. وحلّت مصر محل الجزائر باعتبارها سوق للخليوي في شمال افريقيا، حيث وصل عدد مستخدميه في آذار مارس 2007 الى قرابة 33 مليون شخص بزيادة تقدر ب65 في المئة سنوياً. وناقش المؤتمر الاستراتيجيات التي ينبغي على صناعة الاتصالات في المنطقة اتباعها لتسهيل اقتناص الفرص الاستثمارية المتاحة، خصوصاً مع استمرار تطلع المستثمرين إلى خارج الأسواق المتشبعة في الدول الكبرى. شارك في المؤتمر مسوؤلون من شركات الاتصالات، مثل"هو اوي تكنولوجيز"و"نوكيا سيمنز للشبكات"و"اريكسون"، و"موبينيل"و"اتصالات"وغيرها، إضافة إلى المستثمرين والمسؤولين في القطاع. ونظّمته مؤسسة"انفورما تليكومز آند ميديا"العالمية المتخصّصة في البحوث والمؤتمرات. واعتُبِر الأكبر في شمال إفريقيا. الانترنت اللاسلكي الفائق السرعة شدّد المؤتمر على أهمية نشر خدمات الانترنت اللاسلكية الفائقة السرعة"البرودباند"في المرحلة المقبلة للتوسع في تقديم الخدمات النوعية المتقدمة التي تشكل عماد صناعة الاتصالات في المستقبل. وأكد الخبراء الحاجة إلى خفض رسوم الاتصال الخليوي، خصوصاً في المكالمات الدولية، والتوسع في نشر الشبكات في المناطق الريفية والنائية، والتركيز على جودة الخدمات في المجالات البنكية والصحية والتعليمية والترفيهية والتلفزيونية وغيرها. وأوضح هيثم عبدالرازق مسؤول القطاع الفني في شركة"اتصالات مصر"أن تكنولوجيا"الجيل الثالث للخليوي"باتت ضرورة لمواكبة عصر الاندماج والخدمات الثلاثية للصوت والصورة والبيانات، ولتقديم الانترنت لاسلكيا على الخليوي من خلال الحزمة العريضة"برودباند"باعتبارها حجر الأساس في الاتصالات مستقبلاً. وشدّد على أن تبني هذه التكنولوجيا يقلّل الكلفة على الشركات والجمهور. وأعلن أن"اتصالات مصر"زادت عدد محطات الجيل الثالث لتغطي أكثر من 70 مدينة رئيسية إضافة إلى 180 مدينة على شبكة الجيل الثاني، ما يوفر تغطية لنحو 95 في المئة من سكان مصر. ولفت الى نجاح الشركة في نشر خدمات الانترنت على الخليوي. ونبّه الى سعيها الى رفع قدرات شبكتها لتستوعب 9 ملايين مشترك مع نهاية السنة. ونوّه بضرورة التعاون مع الحكومة والمؤسسات المعنية بالاتصالات لجذب المزيد من الاتصالات. وأشار إلى أن الاستثمار المبكر يقلل الكلفة في المستقبل. وأشار إلى أن الانترنت اللاسلكية بواسطة الحزمة العريضة"البرودباند"توفر فرص نمو التجارة الالكترونية. ولفت الى الإقبال الذي يلاقيه"البرودباند"مصرياً، خصوصاً في المجمّعات السكنية الراقية والمنتجعات السياحية. وأكّد جويام فان جوفر نائب رئيس شركة"موبينيل"المصرية للخليوي ضرورة تقليل رسوم تراخيص استخدام التكنولوجيا الجديدة للاتصالات، وخصوصاً شبكات الجيل الثالث، لتجنب التأثير سلباً على ربح الشركات وقدرتها على تقليل الكلفة على المستهلك. وأوضح أن"موبينيل"حصلت على تكنولوجيا الجيل الثالث لتقليل الضغط على شبكة الجيل الثاني وزيادة قدرتها على تقديم الانترنت اللاسلكية. ولاحظ أن السوق تحتاج إلى مدة طويلة لاستيعاب خدمات القمية المضافة وبالتالي تحقيق الربحية التي تعوض الشركة ما دفعته في الرخصة التي حصلت عليها. ونبّه إلى ضرورة التوسع في نشر أجهزة الخليوي المتوافقة مع تكنولوجيا الجيل الثالث، وكذلك توفير المحتوى الذي يتناسب مع التطوّر التقني لشبكات الخليوي. وأوضح عمرو بدوي الرئيس التنفيذي ل"الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات"أن جودة الخدمات وتعدّدها سيكونان الفيصل في الاختيار بين مشغل وآخر في الفترة المقبلة، خصوصا مع سهولة انتقال المشتركين بأرقامهم نفسها من مشغل إلى آخر. ولاحظ بدوي أن استثمار شركات الاتصالات الأربع في مصر العام الماضي يقترب من 1.5 بليون دولار. وتوقّع استمرار نمو قطاعي الخليوي والهاتف الثابت، ولكن بشكل أقل، مع التنبيه إلى التركيز على نوعية خدمات القمية المضافة، أكثر من التركيز على زيادة أعداد المشتركين. وأشار بدوي إلى أن سوق الاتصالات في مصر شهدت تطوراً كبيراً في السنوات العشر الماضية، حيث اقترب عدد مشتركي الخليوي من 38 مليون مشترك بنسبة انتشار 50 في المئة من السكان إلى جانب حوالي 11 مليون مشترك في الثابت. ولفت إلى أن منطقة شمال افريقيا تشهد توسعاً كبيراً في أعداد مشتركي الاتصالات، وإلى أن مصر هي في طليعة الدول التي أدخلت تكنولوجيا الجيل الثالث. وقال بدوي إن المؤتمر تناول سبل تفعيل تكنولوجيا الجيل الثالث وخدماته وكيفية استفادة المشتركين والشركات في الوقت نفسه. وأوضح أن خدمات الانترنت اللاسلكية الفائقة السرعة تعد من أهم المزايا التكنولوجية لشبكات الجيل الثالث، مشيراً إلى أن مستقبل الاتصالات سيكون للخدمات المتصلة بتقديم البيانات عبر الانترنت الفائق السرعة"برودباند". وفي السياق ذاته، لاحظ بدوي ان مصر حقّقت مبادرات سبّاقة في المنطقة، مثل مبادرة الانترنت المجانية والانترنت الفائقة السرعة وادخال الجيل الثالث للخليوي. وأضاف أنها تنظر حالياً في موضوع نقل الاموال عن طريق الخليوي باعتباره خطوة تخدم الدول الفقيرة، خصوصاً الذين لا يملكون حسابات بنكية، ومن يعملون خارج بلادهم ويحتاجون إلى تحويل مبالغ صغيرة في شكل منتظم. وأوضح أن لدى مصر بنية تحتية للاتصالات ذات مستوى عالمي، ما يمكنها من تقديم خدمات الاتصالات جميعها بسهولة ويسر بما في ذلك الاتصالات الدولية التي يحتاجها المستثمرون. وأشار إلى أن بلاد النيل دخلت أيضاً في مجال صناعة"تعهيد الخدمات"وحققت فيه تقدما كبيرا، مستفيدة من تلك البنية الأساسية المتميزة. بعيداً من إعصار المال وعلّق بدوي على الأزمة المالية العالمية ومدى تأثّر قطاع الاتصالات بها، مُلاحظاً ان القطاع يعمل مع بقية القطاعات ويتأثر بما تتأثر به خصوصا القطاعات المالية باعتبارها من أكبر مستخدمي الاتصالات. وبيّن أن الأزمة ترافقت مع نقص الإيرادات وتمويل الاستثمارات، إلا أن البصيرة الثاقبة والاستراتيجيات المناسبة لأوضاع السوق تحجم من آثار مثل هذه الأزمات. وتحدّث بدوي عن موعد إطلاق الشبكة الثانية للهاتف الثابت في البلاد، مشيراً إلى أنه يتحيّن الفرصة المناسبة لإعادة تفعيله مرة أخرى. وأوضح أن لا رجعة عن تنفيذ قرار إنشاء الشبكة الثابتة للهاتف الثابت وتحرير قطاع الاتصالات عموماً. وذكر بواقعة مفادها أن تنفيذ قرار إنشاء إحدى شبكات الخليوي اتّخِذ في 2003 ونُفّذ في عام 2005 عندما سنحت الفرصة المناسبة. وحول وجود نية ل"فلترة"المواقع"غير السوية"على الانترنت في مصر، أكد ان شبكة الانترنت مفتوحة ولا قيود عليها. وأشار إلى أن معظم الدول تحاول"فلترة"المواقع الاباحية ولكنها معركة صعبة لأن هذه المواقع تغيّر عناوينها في شكل مستمر. ونبّه إلى أن"الفلترة"لا بد من أن تعتمد على التربية والتنشئة الصحيحة بحيث يكون لدى المستخدم الوازع الذاتي الذي يجعله يحجم عن الدخول إلى مثل هذه المواقع. وشدّد على أن لا نية لحجب المواقع"إلا إذا كانت تحض على الإرهاب أو الإجرام، وهي مواقع لا تسمح بها أية دولة"، مشيرا إلى أن مصر لا تحجب مواقع التعبير عن الرأي. وأوضح أن الاتصالات الدولية عملية تجارية تعتمد على التفاوض بين شركات الاتصالات التي يمكنها ان تلجأ الى الجهاز لحسمها إذا لم تتمكن في ما بينها من الوصول إلى صيغة توافقية. وحول جودة اتصالات الخليوي والعقوبات التي تُفرض على الشركات في حال سوء الخدمة، بيّن بدوي"أن القانون حدّد هذه الأمور وأن"الجهاز القومي"يُنبّه الشركات في حال انخفاض جودة الخدمة، وفي حال عدم التزامها يمكن معاقبتها". وفي سياق متصل، أكّد خالد ربيع المدير الإقليمي في"نوكيا سيمنز"أن توفير الربط الشبكي في المناطق الريفية في شمال أفريقيا يعتبر مهمة شاقة ومفعمة بالتحديات. وبيّن أن الشركة قدمت حلاً جديداً تحت مسمى"اتصال القرى"village connection لتحسين خدمات الاتصالات في المناطق الريفية. ويدعم حلّ"اتصال القرى"المكالمات الخليوية والدخول إلى شبكة الانترنت بالنسبة الى الأشخاص في المناطق النائية. وكذلك تؤدي هذه الخدمة إلى تخفيض كلفة الاتصالات عبر الخليوي.