في أوج معركته للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي له، شباط فبراير الماضي، وعد باراك اوباما ليس فقط باستقطاب أصوات الديموقراطيين والمستقلين، بل ايضاً باستقطاب أصوات الجمهوريين. وفعلاً، يشير اوباما بفخر الآن، الى اسماء كبيرة في الحزب الجمهوري أعلنت تأييدها له، مثل وزير الخارجية السابق كولن باول، والديبلوماسي السابق وعضو مجلس مستشاري البنتاغون كين اديلمان، وزير الخزانه في ولاية جورج بوش الأولى بول اونيل، إضافة إلى ريتا هوسير، وهي واحدة من اهم منظمي جمع التبرعات لحملة بوش الانتخابية في العام 2004. كما يلفت اوباما إلى تأييد العديد من الجمهوريين من حكام وأعضاء سابقين في الكونغرس، مثل جيم ليش اياوا ولينكولن شافيه رود ايلاند، ولوويل ويكر كينوكيتيت، والحاكم السابق لولاية فيرجينيا لينولد هولتن. حتى أنه تمكن من الحصول على دعم جولي، ابنة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، وسوزان حفيدة الرئيس السابق دوايت ايزينهاور، والمفكر الشهير صاحب نظرية"نهاية التاريخ"فرانسيس فوكوياما، وجميعهم من المعسكر الجمهوري. وعلى رغم أن جينا بوش، ابنة الرئيس الحالي لم تعلن صراحة تأييدها اوباما، لكنها أعطت انطباعاً بأن صوتها سيذهب للديموقراطيين، بقولها في مقابلة مع برنامج لاري كينغ على شاشة شبكة"سي ان ان"إنها لم تقرر بعد لمن ستصوت. ولا يتوقف الأمر على هؤلاء، فالعديد من المحافظين من أصول افريقية، أعلنوا صراحة انهم لن يفوّتوا فرصة التصويت لمصلحة أول فرصة حقيقية لأفريقي - أميركي لمنصب الرئيس. وأعلن رئيس مجلس الجمهوريين للافريقيين الاميركيين في ولاية تكساس، كالفين ستيفين، أنه سيصوت لاوباما، قائلاً"إنها لحظة افتخار لجميع الأفارقة الأميركيين"، مما أثار غضب أعضاء حزبه، الذين رأوا في ذلك خيانة لمبادئ الجمهوريين ودعوة للعنصرية. في المقابل، يشير المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين الى اسماء من الحزب الديموقراطي تدعمه - وإن لم تكن مماثلة من حيث العدد ومستوى الأهمية، لتلك في حزبه التي دعمت أوباما - مثل زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ سابقاً، ديفيد كارلن، وعضو مجلس نواب ولاية نيوهامشير سابقاً، بريندلا فيرنلاد، ورئيس بلدية تامبا في ولاية فلوريدا سابقاً، ديك غريكو، ورئيس بلدية فينوكس أريزونا سابقاً بول جونسون، اضافة الى عدد من رؤساء البلديات وأعضاء مجالس ولايات سابقين. يذكر أن الجمهوريين كانوا يفضلون فوز اوباما على هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، اعتقاداً منهم بأن العديد من الديموقراطيين سينشقون عن حزبهم ويصوتون لماكين في حال تحقق ذلك. وبناء عليه، صوت العديد منهم في بعض الولايات، مثل بنسلفانيا، لمصلحة اوباما. إلى ذلك، كان خيار ماكين ساره بايلن، حاكمة ولاية الاسكا لموقع نائب الرئيس، على رغم محدودية خبرتها السياسية وعدم معرفة السياسيين في واشنطن بها، إعتقاداً منه بأن ذلك سيمكنه من الحصول على تأييد النساء، وخصوصاً الديموقراطيات من مناصرات هيلاري كلينتون. لكن ذلك كلفه غالياً، وهو كان من الأسباب التي دفعت باول لإعلان تأييده أوباما، حيث اعتبر في مقابلة تلفزيونية ان اختيار حاكمة ألاسكا يدل على ان"ماكين لا يملك الحكمة الكافية في اختيار ما هو افضل لأميركا، لأن موقع نائب الرئيس على قدر عال من الأهمية". وتظهر النتائج السابقة للانتخابات الأميركية أن عدد الديموقراطيين الذين صوتوا للمرشح الجمهوري يفوق عدد الجمهوريين الذين صوتوا لمنافسه الديموقراطي. وفي العام 2000 صوت 11 في المئة من الديموقراطيين لمصلحة بوش، في مقابل 8 في المئة من الجمهوريين صوتوا لمصلحة آل غور. وفي انتخابات العام 2004 صوتت النسبة عينها لبوش، بينما صوت 6 في المئة فقط لجون كيري. لكن يبدو ان هذه النتائج ستكون مغايرة تماماً هذه المرة. وجاء في استطلاع للرأي أجراه معهد"غالوب"في الأسبوع الأول من تشرين الأول أكتوبر الماضي، أن اوباما تمكن من قلب المعادلة لمصلحته. فبينما كان ماكين يتمتع بتأييد 16 في المئة من اصوات الديموقراطيين في شهر حزيران يونيو الماضي، لم يعد يتمتع الآن بأكثر من تأييد 8 في المئة منهم، وهي نسبة مرشحة للانخفاض، في حين تصل نسبة مؤيدي أوباما بين الجمهوريين الى 9 في المئة، وهي مرشحة للزيادة. لكن ما الذي يجعل ديموقراطيين يختارون مرشحاً جمهورياً وجمهوريين يفضلون مرشحاً ديموقراطياً؟ تعود جذور المسألة بالنسبة الى الديموقراطيين الى الانتخابات الرئاسية للعام 1980، عندما انشقت فئات من العمال البيض عن الحزب الديموقراطي وصوتت للرئيس رونالد ريغان. هؤلاء العمال اعتبروا أن حزبهم انتقل من تمثيل الطبقة المتوسطة الأميركية الى تمثيل الفئات الأكثر فقراً في المجتمع، مثل الأفارقة الأميركيين والعاطلين من العمل والمشردين وغيرهم. ومن هؤلاء المنشقين تشكل"الديموقراطيون المحافظون"الذين يفضلون سياسة الجمهوريين الحازمة في مسألتي الأمن والهجرة. اما المنشقون عن الجمهوريين، فموقفهم يعتمد اكثر على الصورة التي يرون فيها مرشح حزبهم لمنصب الرئيس. وكثيرون من المحافظين يرون الآن أن احتلال العراق كان خطأ اضر بسمعة أميركا ومصالحها، ويفضلون اوباما على ماكين الذي يتبنى سياسة الرئيس بوش في عدم الخروج من العراق قبل تحقيق النصر، وكثيرون منهم يعتقدون ايضاً، ان حياة اوباما تحاكي"الحلم الأميركي". فهو ولد لعائلة متوسطة الدخل، رعته جدته لأمه، درس الحقوق في هارفرد، واصبح سيناتوراً من ولاية ايلينويز بكفاحه الشخصي. ويرون فيه شخصية براغماتية غير مقيدة بأفكار مسبقة تحكمها أيديولوجيا، مشيرين الى خطابه الوحدوي على طريقة الرئيس ريغان، والى استعداده لابقاء قانون المواطنة الأميركي باتريوت آكت الذي يجيز مراقبة الأميركيين، مع ادخال تعديلات عليه لحماية خصوصية حياة الأفراد. وشجع هذا التأييد غير المسبوق اوباما لاقتحام مواقع الجمهوريين بقوة في فيرجينا التي لم تصوت للديموقراطيين منذ عام 1964، ونورث كارولونيا التي لم تصوت لهم منذ عام 1976، وميسوري وفلوريدا واوهايو وحتى نيفادا، وجميعها فضلت جورج بوش على جون كيري في انتخابات عام 2004، لكنها اليوم اقرب الى أوباما من ماكين، بفضل تأييد العديد من الجمهوريين له.