أدلى العراق بصوته في الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل أسبوعين من موعدها. رفض"الائتلاف العراقي الموحد"، حليف ايران، مسودة الاتفاق الأمني مع واشنطن وطالب بتعديلها. وقع الرفض على المسؤولين الأميركيين كان كبيراً، على رغم عدم سماعه بوضوح في ظل الضجة الكبيرة التي خلفتها الأزمة المالية التي تتخبط فيها الولاياتالمتحدة. ليس في الأمر مفاجأة، على رغم اعتراف مسؤول أميركي في السفارة الأميركية في بغداد بأن واشنطن"فوجئت بإجماع الائتلاف على رفض الاتفاق". واشنطن كانت تتحسب لمثل هذا الموقف العراقي الرافض، ولجأت الى وسائل عدة في محاولة للتأثير فيه، من تسريبات إعلامية وضغوط سياسية وتهويلات وتهديدات. قبل إعلان المسؤول الأميركي"مفاجأة"واشنطن برفض الائتلاف"بالاجماع"، عبر مسؤول آخر في السفارة الأميركية عن القلق من احتمال رفض البرلمان للاتفاق، مشيراً الى ان"مخاوفنا منصبة على البرلمان الذي يسوده السجال والتجاذب عند مناقشة قضايا صغيرة، فكيف اذا تمت مناقشة قضية كبيرة كالاتفاق الأمني؟". وقبله كان قائد القوات الأميركية الجنرال ريموند أوديرنو اتهم ايران بتقديم رشاوى الى نواب من اجل رفض الاتفاق ما أثار العراقيين ودفع رئيس الحكومة نوري المالكي الى التّنديد بهذا التصريح معتبراً انه قد يكلف صاحبه منصبه. ومن الضغوط، كما يقول أحد المراقبين، تصريحات المسؤولين الأكراد بضرورة إقرار الاتفاق وإلا مواجهة"عواقب عدم التوقيع"، كما حذر رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني أول من أمس. وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري القيادي في حزب بارزاني أعلن السبت الماضي أنه"حان الوقت لاتخاذ القادة العراقيين قراراً بشأن الاتفاق ... ومن الصعب إعادة فتحه مجدداً"لتعديله، علماً بأن المنطق يقول إن الاتفاق لا يصبح مبرماً إلا بعد التوقيع عليه. فهو ما زال مسودة، ولكل طرف الحقّ بطلب التعديل والتغيير، وحتى الرفض، حتى حصول التوقيع. ويلفت أحد الخبراء المتابعين الى أمر آخر، وهو"تزامن التصاعد في التفجيرات، خصوصاً في بغداد، مع بروز مواقف الائتلاف الرافضة للاتفاق"موضحاً ان"العراق عموماً، والعاصمة خصوصاً، شهد تحسناً أمنياً واضحاً منذ نحو سنتين. لكن منذ نحو 5 شهور اهتز الأمن، وعادت التفجيرات الانتحارية خصوصاً بسيارات مفخخة بالتزامن مع التصريحات الأولى للحكومة العراقية في حزيران يونيو الماضي وإصرارها على جدولة انسحاب القوات الأميركية وتقييد حالات حصانة الجنود الاميركيين". وتوّجت هذه الضغوط بالتهديدات التي أطلقها رئيس هيئة الأركان الأميركية الأميرال مايكل مولن أمس من"عواقب جسيمة"على الصعيد الأمني ما لم يقرّ العراقيون الاتفاق. ويقول هذا الخبير إن"الولاياتالمتحدة لم تتعلم شيئاً. لقد وفرّت هي نفسها فرصة أمام الحكومة العراقية لرفض الاتفاق بإصرارها على تضمينه نقاطاً لا يمكن لأي حكومة تحترم نفسها القبول بها"، لافتاً الى"غموض يحيط بمسألتي جداول الانسحاب وحصانة الجنود"وموضحاً أنه"على رغم التزام واشنطن بجداول انسحاب قواتها داخلياً منتصف العام المقبل، ومن العراق نهاية 2011، إلا انها أضافت فقرة تنسف هذا الالتزام بالمواعيد، وجعلته رهناً بتغير الظروف كتطور أداء القوات العراقية". وأضاف ان"الأمر نفسه ينطبق على حصانة الجنود الأميركيين، إذ على رغم النص على تقييد الحصانة إلا ان تشكيل لجان للبتّ في ارتكابات الجنود ينسف الولاية القضائية للعراق". في وجه الضغوط الأميركية المتواصلة، وأمام طرف قوي يملك معظم الأوراق، يبدو انه لم يعد أمام الطرف الضعيف العراق من وسيلة لمواجهة هذه الضغوط إلا الرفض"وتحمل العواقب". واستبعد المراقب ان يكون الرفض العراقي موحى ايرانياً"فهذا تبسيط كبير بأبعاد سياسية، إذ ان طهران أعلنت مبكراً معارضتها الاتفاق، كما فعل التيار الصدري". مضيفاً ان"الائتلاف الموحد لا شك يتأثر بمواقف ايران، إلا ان ذلك ليس العامل الأساسي وراء رفضه"موضحاً ان"الائتلاف أكد منذ مطلع السنة، عندما أعلنت واشنطن نهاية تموز يوليو موعداً للتوصل الى اتفاق أمني، أنه يريد النص على جدول زمني للانسحاب وتقييد الحصانة". ويضيف انه"على رغم ذلك أصرت واشنطن على الالتفاف على هذين المطلبين، ما يشكل، ليس تحدياً للموقف العراقي ومساً بسيادته فحسب، بل واستهانة كبيرة بمشاعر العراقيين". ويلفت المراقب الى ان"حكومة المالكي ربما تفضل التعامل مع ادارة ديموقراطية، فعمدت الى رفض الاتفاق أملاً بفوز المرشح الديموقراطي باراك اوباما الذي أعلن مراراً انه سيسحب القوات الاميركية بعد فوزه"، الأمر الذي أكده مستشاره مايكل شيفر أول من أمس حين قال:"أولى الخطوات التي ستتخذ في حال فوز اوباما بالرئاسة هي سحب القوات القتالية من العراق". بعد رفض الاتفاق كيف ستتطور الأمور؟ هل يستطيع العراق الاستمرار بالرفض؟ وما العواقب التي يهدد بها الأميركيون في حال لم يتم توقيع الاتفاق؟ العراق يريد الاتفاق مع الولاياتالمتحدة بسبب حاجته الى استمرار بقاء القوات الأميركية سنوات عدة، لكنه يطالب بتعديلات على مسودة الاتفاق تتعلق بجدولة الانسحاب والحصانة. فهل الولاياتالمتحدة مستعدة لتسوية هاتين النقطتين، واحترام رغبة العراقيين؟ أم أنها ستضاعف الضغوط على"الائتلاف العراقي الموحد"لتغيير موقفه؟ وهل سيبقى"التحالف"متماسكاً في موقفه من الاتفاق؟ وما هي"العواقب"التي تهدد بها واشنطن؟ هل هي حرب أهلية مثلاً؟ وإذا كانت الظروف الداخلية في العراق"فاجأت"الأميركيين بعد"إجماع الائتلاف على رفض الاتفاق"فهل يأتي إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عدم معارضة روسيا في مجلس الامن تمديد مهمة القوات الدولية في العراق ليسهّل مهمة واشنطن أم ليصعّبها؟