مع الهبوط الكبير في أسعار النفط، خلال الأشهر الأخيرة، وفقدانها أكثر من ثلث قيمتها، أعلن وزير الطاقة الروسي سيرغي شماتكو، أن موسكو تسعى إلى زيادة تأثيرها في سوق النفط، وتحديد الأسعار، لأن صادرات النفط تشكل أكثر من ربع موارد الموازنة الروسية، وتلعب دوراً كبيراً، في ظل الأزمة العالمية وانخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال من روسيا والأسواق الناشئة. وتكرّرت تصريحات المسؤولين الروس حول زيادة التأثير في أسعار النفط، لكنهم لم يكشفوا عن إجراءات وتدابير محددة، باستثناء الانفتاح الكبير على"أوبك"، واقتراحات فتح حوار طاقة دوري مع المنظمة، والتنسيق الدائم معها في شأن استراتيجيات مستقبلية لإيجاد سوق شفافة ومتوازنة تجمع بين مصالح المنتجين والمستهلكين على السواء، وتأخذ في الاعتبار الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج والبحث والاستكشاف. واستبق وزير الطاقة الروسي زيارة وفد"أوبك"وأعلن أن بلاده ستتقدم باقتراحات محددة في قمة المنظمة في الجزائر في كانون الأول ديسمبر المقبل، ولم يكشف عن طبيعة الاقتراحات، ما فتح المجال أمام تكهنات مختلفة حول تطورات في العلاقة بين روسيا و"أوبك"، وانضمام الأخيرة إلى المنظمة كأحد الاقتراحات المحتملة. علاقة أوبك بروسيا على رغم أن روسيا ليست عضواً كاملاً في منظمة أوبك، وتحضر الاجتماعات بصفة مراقب، إلا أنها شاركت بوفد رفيع في آخر اجتماعات المنظمة ضمَّ النائب الأول لرئيس الوزراء ايغور سيتشين، ووزير الطاقة، إضافة إلى رؤساء شركات النفط الروسية الكبرى. وتحدد روسيا أسعار نفوطها مستهدية بسعر المنظمة، وتعتبر ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية، أنتجت الشهر الماضي 9.83 مليون برميل يومياً، صدرت منها 4,13 مليون برميل. وتملك روسيا احتياطات مؤكدة تصل إلى 80 بليون برميل، باستثناء مناطق الجرف القاري للقطب الشمالي. وعلى رغم المصالح المشتركة التي تجمع الطرفين وانفتاح روسيا على"أوبك"في الآونة الأخيرة، إلا أن انضمامها إلى المنظمة غير واقعي ومفيد من أجل زيادة تأثيرها في تحديد أسعار النفط. ففي حال انضمت موسكو إلى المنظمة، لن يكون دورها مؤثراً داخلها لأنها لا تملك إمكانات التأثير في قراراتها في شأن الأسعار. لا شك في أن مفاتيح تحديد الأسعار ستبقى في يد السعودية فترةً طويلة. فالمملكة هي الدولة الوحيدة القادرة على رفع الإنتاج أو خفضه في غضون شهر واحد، ما يجعلها أكثر تأثيراً في قرارات"أوبك". كما أن أعضاء في المنظمة ربما لا يرغبون في رؤية روسيا من ضمن صفوفهم حتى لا يتهموا بتسييس قضايا إمدادات الطاقة، خصوصاً في حال شكلت تحالفاً مع فنزويلاوإيران. ولهذا تنحصر خيارات موسكو في تعاون"استراتيجي"مع المنظمة في مجالات تحديد الأسعار ودراسة أوضاع السوق وتحليل نتائجها والتعاون العلمي والتقني، ومحاولات للانفتاح نحو علاقات"شراكة استراتيجية"مع دول مثل إيرانوفنزويلا وإلى حد ما الجزائر. واتضح هذا الأمر، في انفتاح شركات"لوك أويل"و"غازبروم"و"غازبروم نفت"وغيرها على إيران، وتوقيع اتفاقات شراكة معها على رغم خروج المستثمرين الغربيين، وتحذيرات الولاياتالمتحدة. وتمخضت زيارة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز إلى موسكو، عن توقيع مذكرة تفاهم لتأسيس شركة تضم الشركات الروسية الكبرى وشركة النفط الفنزويلية بالتساوي، من أجل استغلال حقول نفط في الكاريبي، ما يفتح المجال أمام"عملاق نفطي جديد"بحسب تشافيز، وزيادة قدرة موسكو وكاراكاس في تحديد الأسعار، خصوصاً أنهما تملكان احتياطات مجتمعة تصل إلى 180 بليون برميل. ويمنح توسيع عمل الشركات الروسية في الخارج، موسكو إمكان زيادة أرباح شركاتها والتغلب على معوقات التحكم بزيادة الإنتاج أو خفضه. فالجانب الروسي لا يستطيع وحده التأثير في أسعار النفط، لأن الأساس هو القدرة على زيادة الإنتاج أو خفضه، وتفتقر إليها روسيا في حقول نفطها راهناً، مع أنها تحاول جديّاً، غير أن العملية غير مجدية اقتصادياً. معظم الحقول الروسية يقع في سيبيريا حيث تنخفض درجات الحرارة دون ستين درجة تحت الصفر، ما يجعل عملية زيادة ضخ النفط أو خفضه غير واقعية في مثل هذه الظروف. ويشكك خبراء في صوابية الاقتراح الأخير لوزير الطاقة بإمكان تجهيز حقول نفط لا تبدأ الإنتاج إلا في حال الطلب وبعد دراسة أوضاع السوق، كما أن استغلال حقول النفط في هذه المناطق يحتاج إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية، في مساحات شاسعة تنعدم فيها شبكة المواصلات ويغطيها الثلج والجليد أكثر من تسعة أشهر في السنة. قانونياً أيضاً، لا تستطيع الحكومة التأثير بقوة في حجم إنتاج قطاع النفط زيادة أو خفضاً، فهي تملكُ حصةً قابضة فيها، لكنها تمثل مصالح مساهمين يرغبون في زيادة أرباحهم على عكس معظم دول"أوبك"التي تملك شركات حكومية بالكامل، ويتوقع أن ينخفض إنتاج النفط في روسيا هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وتسعى الحكومة إلى زيادة الإنتاج بتخفيف الضرائب عن قطاع النفط ومنح امتيازات لعمليات البحث عن حقول جديدة. ويواجه الخفض الضريبي معارضة وزارة المال، كما أن قانون الاستثمار الأجنبي في المشروعات الاستراتيجية، منها حقول النفط، يحد من جذب الاستثمارات اللازمة للبحث والاستكشاف والإنتاج في روسيا، على رغم تأكيدات الحكومة أنه لتنظيم العملية الاستثمارية.