كتبت مرة بعد مرة بعد ألف مرة، منذ بدء مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بعد اتفاقات أوسلو، ان غالبية اليهود في إسرائيل وحول العالم ليبرالية وسطية تريد حلاً سلمياً. وقد حافظت على هذا الرأي عندما دمر آرييل شارون العملية السلمية بعد 2001، وبقيت عند هذا الرأي الى اليوم، مشيراً الى استطلاعات الرأي العام لليهود في إسرائيل والولاياتالمتحدة تحديداً. عام 2007 انتهى باستطلاع للجنة اليهودية الأميركية يظهر مرة أخرى أن اليهود يفضلون حلاً سلمياً، مع الاعتراف بأن نسبة الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية تراجعت تدريجاً في السنوات الماضية، وهي كانت عام 2006 بنسبة 54 في المئة مع الدولة و38 في المئة ضدها، وأصبحت العام الماضي 46 في المئة مع الدولة و43 في المئة ضدها، إلا أن السبب هو سيطرة حماس على قطاع غزة، فقد قال ثلاثة أرباع اليهود إن السلام غير ممكن مع سيطرة حماس على القطاع. من زاوية شخصية، الاستطلاع أكّد رأياً آخرَ يتكرر في ما أكتب عن اليهود والفلسطينيين، والعرب والمسلمين عموماً، هو أن الفريق اليهودي الأميركي المتطرف من عصابة الحرب المعروفة لا يمثل الغالبية العظمى من اليهود حول العالم. وسأختار لحسم الجدل ترجمة فقرة من مقال كتبه في"هيرالد تريبيون "البروفسور اريك ألترمان. هو قال إن اليهود ليبراليون، واليمينيون بينهم يشوهون صورتهم، ثم أضاف: "لا تصدقوا كلامي وحده، فقد أظهر استطلاع للرأي العام أجرته اللجنة اليهودية الأميركية ونشر في 11/12/2007 ان غالبية من اليهود في الولاياتالمتحدة تعارض تقريباً كل وجه من أجندة إدارة بوش والمحافظين الجدد. ليس فقط انهم يعارضون إدارة"الحرب على الإرهاب "بغالبية 59 في المئة، مقابل 31 في المئة، بل هم يرون، بغالبية 67 في المئة، مقابل 27 في المئة، انه ما كان يجب غزو العراق. وهم لا يؤيدون زيادة القوات، و68 في المئة منهم تقول إن الزيادة لم تؤد الى أي تغيير وربما جعلت الأوضاع أسوأ، كما ان 57 في المئة مقابل 35 في المئة منهم تعارض هجوماً على إيران حتى لو شُنَّ"لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية ". هذا ما كتب بروفسور يهودي في مطبوعة تملكها"نيويورك تايمز "التي يملكها يهود ليبراليون. وكنت عندما أبديت مثل هذا الرأي اتهمت باللاسامية، غير أن الموقف مني أو من أي كاتب عربي متوقع، والجماعة من الوقاحة أن هاجموا"هاآرتز "، الصحيفة الإسرائيلية ذات الشهرة العالمية، عندما نشر فيها مقالان يميلان الى تأييد الكتاب المشهور"لوبي إسرائيل والسياسة الخارجية الأميركية "من تأليف جون ميرزهايمر وستيفن والت، وهما أستاذان جامعيان أميركيان من أعلى مستوى أكاديمي ممكن. على سبيل التذكير، الكتاب الذي احتل قائمة أعلى الكتب مبيعاً على رغم جهود عصابة إسرائيل، أو بسببها، قال في مقدمته انه"في سنة انتخابية قد يختلف السياسيون الأميركيون على القضايا الاجتماعية والهجرة والصين ودارفور وكل موضوع آخر، إلا أنهم جميعاً سيبذلون قصارى جهدهم للإعراب عن التزامهم الشخصي ببلد واحد هو إسرائيل وإصرارهم على الاستمرار في تأييد لا يلين للدولة اليهودية ". وهكذا فاليهود الأميركيون المتطرفون أقلية لا تمثل الغالبية اليهودية، وقد كانوا من الوقاحة أن يهاجموا جريدة إسرائيلية وأستاذين جامعيين أميركيين، والنتيجة التشجيع على حروب ضد أفغانستانوالعراق، وربما غداً إيران على رغم تقرير الاستخبارات عن وقفها برنامجها النووي، ومنع السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، أي انهم طرف في استمرار القتل المتبادل، ودم الإسرائيليين على أيديهم قبل غيرهم. قلت هذا الكلام في السابق وقاله غيري، إلا أن هناك فرقاً بين أن يقوله طرف في النزاع، وبين أن يكون الكلام عن إسرائيل شهادة شاهد من أهلها، فاللجنة اليهودية الأميركية غير متهمة مثلنا. كان يمكن أن يبقى أذى عصابة إسرائيل محصوراً بالفلسطينيين والإسرائيليين لولا أنهم في إدارة بوش وجدوا حليفاً من التطرف الآخر، فنائب الرئيس ديك تشيني يقود عصابة يمينية أخرى تحلم ببناء إمبراطورية أميركية تحكم العالم، أي إمبريالية جديدة. اليوم يدفع العالم كله ثمن هذا التطرف، وسواء فاز جمهوري بالرئاسة الأميركية أو ديموقراطي، فالسياسة الخارجية الأميركية لا بد من أن تتغير بعد سنة، وما علينا سوى الانتظار لأننا لا نملك إلا أن ننتظر.