تتحكم دول المركز الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة فى السياسات المالية لدول الأطراف من خلال الثالوث الرهيب المتمثل فى البنك الدولي الذى أنشىء عام 1944 ومنظمة التجارة العالمية التى أنشئت عام 1995 وصندوق النقد الدولي1945. بهذا الثالوث ُتفرض الشروط على القروض الممنوحة لدول الجنوب الفقيرة. فكي تحصل الدول الفقيرة على قروض من صندوق النقد الدولي لا بد من أن تكون عضواً فى البنك الدولي ثم تلتزم شروط صندوق النقد الدولي، وربما يسلتزم الأمر أيضاً أن تمر على"نادي باريس"من أجل جدولة ديونها، وبالتالي تكون دخلت نطاق هيمنة دول المركز القوية، وبعد كل هذه الإجراءات يتضح للمتابع للشأن الاقتصادي أن معظم الدول التي دخلت فى شروط صندوق النقد الدولي وتعاملت معه ما زالت تعاني أوضاعاً اقتصادية سيئة تنعكس سلباً على شرائح المجتمع داخل هذه الدول، خصوصاً الطبقات الفقيرة والمهمشة التى تتأثر في شكل مباشر بشروط صندوق النقد الدولى والتي تتجلى بعض مظاهرها فى بيع القطاع العام أي خصخصته. وعلى رغم هيمنة هذا الثالوث على الاقتصاد العالمي وقع حدث ذو دلالة كبيرة ربما يتجاوز الإطار الزمني والإقليمي الذي وقع فيه فقد اجتمع في العاصمة الأرجنتينية بيونس ايريس في العاشر من الشهر الماضي ستة من رؤساء دول أميركا اللاتينية كي يعلنوا رسمياً قيام مؤسسة مالية جديدة باسم"بنك الجنوب"كان يدعو إليها ويلح عليها منذ سنة 2004 هوغو تشافيز رئيس فنزويلا. البنك الجديد سيبدأ برأسمال سبعة بلايين دولار وتشارك فيه فنزويلا والبرازيل وبوليفيا والإكوادور والأرجنتين والأوروغواي وباراغواي و مهمته تمويل مشاريع إنمائية في المنطقة حيث:"يسمح البنك الجديد لأميركا اللاتينية بالتحرر من سلاسل التبعية المالية"بحسب تعبير الرئيس الإكوادوري. ومن وجهة نظر تشافيز فإن هذه الخطوة الجديدة ستسمح لدول المنطقة بالتحرر من سطوة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكانت هناك إرهاصات سبقت هذا الحدث الكبير تمثلت فى الآتي: 1- محاولة تأسيس بنك مماثل اقليمي فى آسيا دعا إليه مهاتير محمد في العقد الماضي أثناء رئاسته حكومة ماليزيا وحاربته أميركا بشدة مانعة اليابان من التجاوب مع فكرة إقامة ذلك البنك الإقليمي على مستوى آسيا. 2- انسحاب فنزويلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولى بعد أن سددت كامل ديونها المستحقة عليها. 3- طرد بوليفيا ممثلي البنك الدولي وصندوق النقد بعد أن خضعت لهما مدة عشرين سنة. 4- أجمع زعماء الدول الُمؤسسة لبنك الجنوب على أن سياسات صندوق النقد الدولي زادت معدلات الفقر والبطالة فى بلادهم. لقد أنشئ بنك الجنوب في قارة كانت تعتبر الحديقة الخليفة للولايات المتحدة، لكن هذا البنك اضافة الى وجود تيار عام معاد لسياسات الولاياتالمتحدة على مستوى زعماء القارة وشعوبها خصوصاً في كوباوبوليفيا ربما يعني إلغاء نظرية"أن اميركا الجنوبية هي الحديقة الخليفة للولايات المتحدة". ولا شك في أن نجاح هذه التجربة سيغري أقاليم أخرى لخوض التجربة وطرح بدائل ذكية وفعالة تعالج المشاكل الاقتصادية بعيداً من سياسات صندوق النقد الدولي. إن الفرصة العربية مواتية لتأسيس بنك مماثل بحكم وفرة رؤوس الأموال الضخمة نتيجة الطفرة النفطية الحديثة، فمازالت تجارب النمور الآسيوية ودول اميركا الجنوبية تستحث المنطقة العربية لركوب قطار البدائل الذكية ودخول ساحات الفعل وصناعة الأحداث من أجل العبور الى المستقبل. ياسر الغرباوي - بريد الكتروني