تعهدت الخرطوم أمس سحب جميع قواتها تدريجياً من حقول النفط في جنوب السودان وإعادة نشرها في الشمال تطبيقاً لاتفاق نيفاشا للسلام، لكنها لم تحدد موعداً لذلك، في ما يبدو محاولة لإنقاذ الاتفاق المهدد بالانهيار بسبب ملفات عدة، أبرزها تقاسم عائدات النفط وترسيم الحدود في مناطق إنتاجه. وقال وزير الطاقة عوض أحمد الجاز إن حكومته تعرف أن سحب الجيش"سيستغرق بعض الوقت"، لكنه أكد أنها"ستسحب جميع تلك القوات في شكل تدرجي"، من دون أن يحدد موعدا لهذا الانسحاب. وأضاف أنه"من الواضح جداً في الاتفاق ضرورة تجريد مناطق النفط من الصفة العسكرية"، معتبراً أن"هذا هو الهدف النهائي للانسحاب". ولا يزال نحو 16 ألف جندي منتشرين موجودين في مناطق استخراج النفط في جنوب السودان، حيث يتم إنتاج نحو 500 ألف برميل يومياً من النفط الخام. ويشكل الخلاف حول اقتسام عائدات النفط القاسم المشترك بين مختلف القضايا العالقة التي باتت تهدد اتفاق السلام. ويتهم الجنوبيونالخرطوم بالتباطؤ في حسم هذه القضايا لمنعهم من الحصول على نفطهم. ويرون ان استمرار الوضع الحالى سيعجل بانفصالهم وتشكيل دولتهم المستقلة قبل موعد الاستفتاء على تقرير المصير في 2011. ونص اتفاق نيفاشا الذي وقعه حزب"المؤتمر الوطني"و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"في كانون الأول يناير 2005 على اقتسام عائدات النفط مناصفة بين شمال البلاد وجنوبها. لكن الجنوبيين يؤكدون أن بعض حقول النفط التي تقع في الشمال تابعة لهم، وأن مصيرها سيحدده ترسيم الحدود الذي ما زال متعثراً، كما أن مصير منطقة آبيي المتنازع عليها التي تضم بعض الحقول المنتجة لا يزال مجهولاً، بعدما رفض الحزب الحاكم تقرير لجنة دولية أقر بتبعية أجزاء واسعة منها للجنوب. ويشكك الجنوبيون كذلك في نيات الشمال، بسبب تلكوئه في سحب قواته من الإقليم، واستمرار تمركزها حول مناطق انتاج النفط ودعم الميليشيات المنتشرة في هذه الحقول. ويعتبرون ذلك خرقاً لاتفاق السلام الذي قضى بسحب قوات الجيش السوداني من جنوب البلاد في 9 تموز يوليو الماضي، وهو ما لم يحدث حتى الآن. ويُحمّل الجنوبيون الشمال مسؤولية ضعف التنمية والخدمات في إقليمهم لعدم حصولهم على حقوقهم في النفط التي يذهب أكثر من 25 في المئة منها إلى جيشهم، ومثلها للصرف على حكومتهم الإقليمية وأجهزتها، ما أغضب معظم المواطنين الذين لم تتحسن أحوالهم وأضعف حلم"الوحدة الجاذبة"التي دعا إليها اتفاق السلام وزاد التوقعات بتفضيل خيار الانفصال. وكان رئيس حكومة الجنوب زعيم"الحركة الشعبية لتحرير السودان"سلفاكير ميارديت اتهم"المؤتمر الوطني"بعرقلة تنفيذ اتفاق السلام. لكن"المؤتمر الوطني"يتهم شركاءه في الحكم بالفساد وتبديد الأموال. وكشف مسؤول في وزارة المال ل"الحياة"أمس أن حكومة الجنوب تسلمت أكثر من بليوني دولار من عائدات النفط منذ توقيع الاتفاق، وأن الخرطوم غير مسؤولة عن أوجه صرف هذه الأموال.