ربما كان أهم سؤال في الشرق الأوسط اليوم هو هل تضرب الولاياتالمتحدةإيران؟ الجواب ليس مجرد نعم أو لا، فالموضوع هنا غير"صبي أو بنت"، وتغيير الموقف، أو انقلابه، يظل مطروحاً حتى آخر لحظة. كنت اعتقد ان الفريقين المعارض للحرب والداعي إليها ضمن إدارة بوش متكافئان، فوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس يعارضان، في حين ان عصابة الحرب حول نائب الرئيس ديك تشيني تحاول جهدها دفع إدارة بوش نحو حرب جديدة، على رغم ما جرّت الحرب على العراق من ويلات على العراقيين وبلدهم، وعلى الولاياتالمتحدة نفسها. مجلة"صالون"الإلكترونية جعلتني أعيد النظر في فهمي للوضع، فقد كتب ستيفن كليمونز مقالاً ممتازاً عنوانه"لماذا بوش لن يهاجم إيران"، غير انني اخترت ان أبقى مع الفقرات الأولى من المقال، والكاتب يتحدث عن اجتماع حول عشاء ضم شخصيات بارزة، وقال زبغنيو بريجنسكي ان إدارة بوش اختارت طريق الحرب، وقال برنت سكوكروفت ان الإدارة لن تضرب إيران، ومن أصل 18 مدعواً لم يصوت مع الثاني سوى اثنين، هو نفسه وأحد الضيوف. لست من العناد أن أدّعي انني أعرف أكثر من رجلين شغل كل منهما منصب مستشار الأمن القومي، وضيوف من أبرز الخبراء في السياسة الأميركية، فإذا كان 16 من هؤلاء قالوا ان الحرب قادمة، فالأرجح انها كذلك. مرة أخرى، الموضوع ليس ببساطة"صبي أو بنت"، ويمكن ان نتصور وضعاً لا يتخذ الرئيس بوش فيه قراراً، وانما يبقى يتأرجح بين دعاة الحرب ومعارضيها. وفي النهاية يختار فريق تشيني استدراج الرئيس، من طريق ضربة توجهها إسرائيل لإيران، وترد هذه بعمليات ضد أهداف أميركية ومصالح في المنطقة، وتُستدرج الإدارة إلى حرب. أحاول جهدي في كل ما أكتب ان أتجنب الحديث عن دور يهودي في أي موضوع، وإذا اضطررت أذكر القرّاء بأن غالبية اليهود في العالم، وبما في ذلك أميركا وإسرائيل، تريد السلام. غير انني لا أستطيع في موضوع أي حرب على إيران تجاهل دور اليهود الأميركيين المتطرفين من المحافظين الجدد ورجال اللوبي، فهم يكادون ان يمثلوا جميع دعاة الحرب حول تشيني، من ديفيد وورمزر في مكتبه إلى ايليوت أبرامز في مجلس الأمن القومي، وجون بولتون، وكتّاب"ويكلي ستاندارد"، مثل وليام كريستول، ابن ارفنغ كريستول، إلى مايكل ليدين الذي لا أزال انتظر حسم مدى دوره في تزويد وثائق النيجر في إيطاليا. ثم هناك معهد أميركان انتربرايز المتطرف الذي كان منظّر الحرب على العراق، وهو الآن يعقد ندوات عن إيران. ومع كل هؤلاء كتّاب الرأي والمقالات من المحافظين الجدد، ونموذجهم الأوضح صفحة الرأي الليكودية في"وول ستريت جورنال". لا يمكن فصل هذه العصابة الإسرائيلية عن أخبار يومية تحرض على إيران، ونحن نقرأ ان رجال طالبان يتلقون سلاحاً إيرانياً، وان المتفجرات التي أنزلت أكبر خسائر بالأميركيين في العراق من صنع إيراني، ثم ان إيران تؤيد حزب الله وسورية، وهي الوحيدة الباقية من محور الشر الأصلي، وتؤيد الإرهاب في كل بقاع الأرض هناك حملة موازية متشابكة على حزب الله تزعم انه يبني خلايا في أوروبا وأميركا. هل توجه الولاياتالمتحدة ضربة جوية هائلة لمنشآت البرنامج النووي الإيراني والقواعد العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة والصواريخ؟ أميل إلى اعتقاد بأن جورج بوش يفضل الضربة، لاقتناعه بأن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي، ثم لأن توقيت الضربة قبل أشهر من تركه البيت الأبيض يعني ان تبتلى الإدارة التالية، والأرجح ان تكون ديموقراطية، بالنتائج. إذا لم تضرب الولاياتالمتحدةإيران في النهاية سيعكس الامتناع تحذير المستشارين من ان ردود الفعل ستكون هائلة، عبر العراق وفي الخليج، وحزب الله ضد إسرائيل، وربما عمليات إرهابية في أوروبا وغيرها، ما قد يعني دفن حلم الإمبراطورية الأميركية نهائياً. في مثل هذا الوضع هناك بديل آخر من"الصبي أو البنت"هو ان تواصل الولاياتالمتحدة حصار إيران، وتشدد العقوبات عليها، وتمنع التكنولوجيا، وترغم البنوك الدولية على عدم التعامل مع طهران، وهي كلها إجراءات نجحت إدارة بوش إلى حد كبير في استعمالها. غير ان المشكلة هنا ان العقوبات لم تنجح يوماً في إرغام بلد على تغيير سياسته، وعندنا في كوبا وعقوبات عليها منذ نصف قرن تقريباً، مثال واضح أزيد عليه ان العقوبات تقوّي عادة الجناح المتطرف في البلد المستهدف. شخصياً، لا أحتاج إلى 16 جهاز استخبارات أميركياً لأتعلم شيئاً عن إيران، فرأيي الشخصي انها ستواصل التخصيب، وان كل مواقفها الديبلوماسية حتى الآن كانت لكسب الوقت، وأرجح انها تريد امتلاك سلاح نووي في النهاية إلا انني لا أجزم بذلك. أين العرب من كل هذا؟ الصراع هو على الشرق الأوسط، ومن يسيطر عليه سياسة وثروات، وأعود بالقارئ إلى خطاب جورج بوش في 13 الجاري، فهو قال صراحة:"إذا طردنا من العراق فالمتطرفون سيتجرأون، وستستفيد إيران من الفوضى، وتزيد جهودها للحصول على سلاح نووي والسيطرة على المنطقة". وكرر وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير هذا الكلام في واشنطن بعد بوش بأسبوع. إدارة بوش تفضل ان تسيطر هي على المنطقة، أي علينا، مع حصة لإسرائيل، ونحن نتفرج. وهنا تدخل سورية الصورة فأكمل غداً.