دعا الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الايرانيين الى تجاهل تصريحات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن مخاطر نشوب حرب مع ايران على خلفية رفضها تعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم. وقال في تعليقات إلى الصحافيين على تصريحات كوشنير:" لا تأخذوا التهديدات الفرنسية على محمل الجد"، معتبراً انها ل"الاستهلاك الاعلامي". جاء ذلك في وقت اعربت موسكووبكين عن معارضتهما التهديد بتدخل عسكري ضد ايران، الامر الذي ابدت روما ايضاً تحفظها عنه، في وقت قوبل كلام كوشنير بانتقادات حتى في باريس ابرزها من رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان الذي حذر من ارسال اشارات سيئة الى واشنطن مفادها ان فرنسا تؤيد مثل هذا التدخل. وطالب النواب الاشتراكيون في البرلمان الفرنسي بمراجعة لمواقف كوشنير الذي طالب ايضاً بفرض عقوبات اوروبية على ايران. وكانت واشنطن اكدت انها لا تزال متمسكة بالطرق الديبلوماسية من خلال فرض عقوبات على ايران، من دون ان تستبعد الخيار العسكري من الحلول المطروحة. موسكو في ظل هذه المواقف، اضطر وزير الخارجية الفرنسي الى تخفيف لهجته في شأن"الخيار العسكري"ضد ايران. وقال في موسكو امس ان الحل يجب ان يكون عبر"المفاوضات"، فيما اعرب نظيره الروسي سيرغي لافروف عن قلق بلاده بسبب زيادة الحديث عن الحرب وانتقد العقوبات الاوروبية والاميركية"المتشددة جداً"، معتبراً انها تعقد المفاوضات وتضع عراقيل امام جهود التسوية. واستهل لافروف مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع نظيره الفرنسي في اختتام محادثاتهما امس، بالتركيز على خطورة"الحديث عن احتمال شن حرب على ايران"، معرباً عن قلق بلاده البالغ من ذلك. وقال ان الحل برأي موسكو، ينبغي ان يكون على اساس القرارات الدولية. وقال:"لدينا قرارات الوكالة الدولية ومجلس الامن ويمكن تحقيق نتائج ايجابية خصوصاً بعد توقيع الاتفاق بين الايرانيين والوكالة الدولية"للطاقة الذرية. ووصف هذا الاتفاق بأنه وثيقة ايجابية جداً وجار تنفيذها في شكل جيد. وشدد لافروف على حرص روسيا على الا تتم اعاقة تنفيذ"الوثيقة الموقعة"، وانتقد بقوة العقوبات"المتشددة جداً"التي تفرضها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران، معتبراً انها"تعقد المفاوضات وتضع عراقيل امام جهود التسوية". وتساءل الوزير الروسي:"إذا كنا قد اتفقنا على العمل في شكل جماعي، وإذا كانت الاتفاقات تتجسد على شكل قرارات لمجلس الأمن، فما هي الغاية من العقوبات أحادية الجانب؟"، معتبراً انه"لا يجوز تجاهل البنود التي تنص على مواصلة الحوار مع إيران بما في ذلك ما يتعلق بتسوية القضايا المرتبطة ببرنامجها النووي والمسائل التجارية الاقتصادية والأمنية". كما اعلن نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر لوسيوكوف ان اي تدخل عسكري اميركي محتمل في ايران سيكون"خطأ سياسياً"مع نتائج"كارثية"، في مقابلة نشرتها امس صحيفة"فريميا نوفوستي". وقال ان"قصف ايران سيكون خطوة سيئة وستؤدي الى نتائج كارثية ومؤسفة". بكين في الوقت ذاته، عبرت الصين عن معارضتها"التهديدات المستمرة"بالتدخل العسكري ضد ايران. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية جيانغ يو:"نعتقد بأن المفاوضات الديبلوماسية تبقى الوسيلة الفضلى لتسوية المشكلات". وتابعت رداً على اسئلة حول تصريحات كوشنير خلال مؤتمر صحافي"اننا نعارض التهديدات المستمرة باللجوء الى القوة في الشؤون الدولية". روما كذلك، حذر وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما من ان"حرباً جديدة"في ايران"لا يمكن الا ان تولد مآسي"داعياً الى إمهال الديبلوماسية"الوقت الضروري". وقال داليما في تصريحات ادلى بها ليل الاثنين - الثلثاء:""قبل الحديث عن حروب جديدة، يجب إمهال المبادرات السياسية والديبلوماسية الوقت الضروري". وتابع:"ثمة عقوبات قررتها الاسرة الدولية وهناك في الوقت ذاته، عرض قدم الى ايران بالتفاوض من اجل التوصل الى حل سلمي لهذه الازمة". توضيح أكد مصدر ديبلوماسي فرنسي عدم وجود أي تغيير على صعيد النهج الذي تعتمده باريس في التعامل مع الملف النووي الإيراني، معتبراً ان الصخب الذي أُثير حول الموضوع مرده الى عدم فهم بعض الصحافيين بدقة تصريحات وزير الخارجية الأحد الماضي. وأبدى المصدر مهارة فائقة في سعيه إلى توضيح تصريحات كوشنير، أن فحوى ما قاله الوزير هو انه ينبغي"التهيؤ للأسوأ"أي الحرب، وأنه لم يقل"الإعداد للأسوأ"لأن فرنسا مثل سواها من دول تريد تجنب أسوأ الخيارات وهي الحرب. وقال ان فرنسا مستمرة بالالتزام التام بالتفاوض وبالنهج الديبلوماسي وأن هناك استعدادات على صعيد مجلس الأمن لاعتماد قرار ينص على عقوبات جديدة حيال ايران وهناك بحث في فرض عقوبات أوروبية. وأضاف المصدر ان"هذا كله لا يلغي للأسف وجود خيار الأسوأ وهو الحرب، والقول ان هذا ما يمكن ان يحدث من خلال التقدم المتوالي على صعيد البرنامج النووي الإيراني وهذا ما يجب تداركه". وشدد على ان كلام كوشنير لا يعكس أي جديد مقارنة مع ما كان أعلنه الرئيس نيكولا ساركوزي في خطابه امام سفراء فرنسا، حول ضرورة السعي الى استباق وضع يكون العالم فيه امام خيار القبول بإيران كقوة نووية أو خوض حرب ضدها. ورأى ان الملف النووي الإيراني يشكل الموضوع الرئيس على صعيد العلاقات الدولية، وأن المخاطر المترتبة عليه متعددة بما فيها خطر الحرب، معرباً عن دهشته للغط الذي أثير حول كلام كوشنير الذي استخدم تعبير الحرب، في حين ان الديموقراطية الراشدة تقول الأشياء وتسمي الأمور بأسمائها. وأقر المصدر بأن البعض استنتج ان فرنسا تؤيد حرباً أميركية أو اسرائيلية على ايران، ولكن هذا الاستنتاج اقتصر على بعض الصحافيين، مؤكداً عدم وجود أي مؤشر على وقوع هجوم اسرائيلي أو اميركي، خصوصاً ان الرئيس الأميركي جورج بوش اكد لساركوزي خلال لقائهما على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى ان الولاياتالمتحدة تحبذ النهج السياسي. وبالنسبة الى فرنسا، اشار المصدر الى انها لا تزال تتمسك بالخيار الديبلوماسي، ولم تغير موقفها وليس هناك مخطط فرنسي لمهاجمة ايران. وأجاب المصدر رداً على سؤال ان الجانب الفرنسي سيعمل على توضيح حقيقة ما صرح به كوشنير إلى الإيرانيين، لكنه اشار الى ان فرنسا ومثلها في ذلك العديد من الدول بما فيها روسياوالصين، لا تقبل باستمرار البرنامج النووي الإيراني ووصوله الى نقطة الكارثة. وذكر المصدر ان في هذا الإطار مشاورات بدأت مع الشركاء الأوروبيين حول العقوبات التي يمكن أوروبا اعتمادها، مشيراً الى ان فرنسا ميالة الى عقوبات مالية تحد من فعالية مؤسسات ايران المالية وتشكل رسالة قوية توجه الى القيادة الإيرانية لحملها على إدراك الكلفة التي تترتب على برنامجها النووي. واعتبر ان تصعيد العقوبات بات يشكل نتيجة حتمية للسلوك الإيراني.