بعد أعوام من الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل حكم ماو تسي تونغ، وضع دينغ زياو بينغ الصين على مسار مختلف. فهو رأى ان النهوض بالاقتصاد الصيني أولوية، وقدم هذه الأولوية على تعزيز قدرات الجيش وتطويره. وسعى الى انتهاج سياسة خارجية تقيد مكانة الصين، ولا تخولها الاسهام في قيادة الشؤون الدولية. فهذه السياسة هي فرصة الصين لالتقاط أنفاسها والتمهل في استعادة نفوذها. وبعد ثلاثة عقود، برزت الصين قوة اقتصادية يتنامى نفوذها العسكري شيئاً فشيئاً. والتساؤل حول قدرات الجيش الصيني، خصوصاً قدراته التقنية المتطورة، وعقيدته ونواياه، مشروع. ففي العقدين الماضيين، تعاظمت موازنة الجيش الصيني، وطوّر"جيش التحرير الشعبي"أسلحته وأجهزته، واشترى معدات وأسلحة عالية التكنولوجيا، وجنّد أصحاب الكفاءات التقنية. وهذا انعطاف في مسيرة الجيش الصيني. فمعظم جنوده كانوا، والى وقت غير بعيد، من الفلاحين الأميين، خزان عقيدة"حزب الشعب". فالجنرالات الصينيون لم يخالفوا عقيدة الجيش، وحرصوا على ان يفوق عديد الجيش ذخيرة العدو. وفي ضوء هذا المسار، يبدو اختراق الجيش الصيني شبكات أجهزة الكومبيوتر الألمانية والأميركية من معالم انفتاح الصين على الحداثة والتطور. وفي كانون الثاني يناير، بعث نجاح اختبار الصين صاروخاً مضاداً للأقمار الاصطناعية الدهشة في أوساط المحللين العسكريين. وأظهرت هذه التجربة حيازة الصين قوة عسكرية تكنولوجية لم يتوقعها أحد. فالخبراء العسكريون الصينيون، ورؤساؤهم المدنيون أدركوا ان اللجوء إلى استراتيجيات"غير متناظرة"، تفيد من مواطن ضعف العدو يمكنها من التفوق على قوى عسكرية عالية التقنية. وعلى هذا، ينبغي، تقويم هجمات اختراق شبكة حواسيب البنتاغون، وشبكات حكومية ألمانية الكترونية، في هذا الميزان. وتدل التقارير الى أنّ برامج البنتاغون المخترقة لم تكن سرية. وعليه، لا تظهر هذه الاختراقات قدرة صينية عالية على اختراق أنظمة عسكرية خطيرة. فالمحققون نجحوا في تعقّب آثار المخترقين. وهذا دليل آخر على ضعف القدرات الصينية التكنولوجية. والحق ان وزارة الخارجية الصينية نفت شن بلادها هجمات إلكترونية على البنتاغون، ولم تنف الهجمات على المؤسسات الألمانية الحكومية. واحتمال أن يكون التسلل الإلكتروني هذا جزءاً من استراتيجية أوسع، ترمي الى سرقة معلومات كافية لتطوير المعارف التقنية الصينية، ضعيف. فشأن القطاع التجاري الصيني، لا يتمتع الجيش الصيني بسجل حافل بالابتكارات والاختراعات. فهو يستخدم تقنيات تكنولوجية مستوردة. ولا يواجه الغرب خطر تفوق الصين على التكنولوجيا الغربية ما لم يطوّر الصينيون قدرتهم على البحث والاختراع. وتسعى حركة التحديث العسكرية في الصين الى مواجهة عدو يتفوق عليها تقنياً، وتبذل جهداً كبيراً في اكتشاف مواطن ضعف هذا العدو. وانتهجت الصين سياستها العسكرية هذه غداة انتصار الحلفاء في حرب الخليج الثانية على الجيش العراقي، وتفوقها العسكري والتقني. فأسلحة الجيش العراقي كانت، يومها، سوفياتية الصنع، وتشبه ترسانة أسلحة الصين. ولكن الأزمة العراقية الحالية كشفت ثغرات تقنية عسكرية أميركية. فالاميركيون يبالغون في الاعتماد على الإنترنت والأقمار الاصطناعية، ويشنون العمليات الحربية بناء على معلومات استخباراتية مركزية. وسعت الصين إلى طمأنة الغرب وجيرانها الإقليميين. فتحديث عتادها العسكري يرمي إلى تعزيز قدرتها على تحمل مسؤوليات دورها على الساحة الدولية. وهي الآن دولة كبرى. وتعهدت الصين انتهاج نهج عسكري شفاف لا يخيف دول الجوار. ونشرت الصين أوراقاً شرحت فيها سياستها الدفاعية، والتزمت رفع تقارير سنوية إلى الأممالمتحدة عن موازنتها العسكرية، ومبيعاتها العالمية من الأسلحة. ولكن المراقبين ينظرون بعين الريبة الى الشفافية الصينية المزعومة. وينبهون إلى أنّ بكين تفصح عن نوافل الأمور توافهها، وتتكتم على الأمور المهمة. والحق أن تقارير الصين العسكرية العلنية حملة دعاوية تريد إقناع العالم بأنّ نفوذها سلمي. وهذه التقارير هي مرآة ثقة الصين في قدراتها العسكرية الرادعة. ولا شك في ان الولاياتالمتحدة وحلفاءها الإقليميين لن يتسرعوا في خوض عمل عسكري مع الصين، في حال تدهور النزاع الصيني مع تايوان. فالصين تعلم ان مثل هذه المواجهة باهظة على جميع الأطراف. ولا يترتب نشوب صراع عسكري على رفع مستوى الجيش الصيني التقني. وجلّ ما تسعى إليه الصين هو تعزيز اقتصادها وتفادي الاضطراب الداخلي. ولا شك، كذلك، في أن التطوير العسكري الصيني يضع نصب عينيه تفادي انفصال تايوان. فالصينيون يزعمون ان استقرار الحكم في بكين هو رهن بقاء تايوان صينية، ويخشون تمرد الشعب الصيني على حكومة بكين إذا أعلنت تايوان استقلالها ورضخت بكين للأمر. عن درو طومسون مدير مركز الدراسات الصينية، وباحث في مركز نيكسون بواشنطن "فايننشال تايمز" البريطانية، 4/9/2007