أعلنت الحكومة الصينية أخيراً عن زيادة موازنة الدفاع بنسبة 12.7 في المئة خلال عام 2011 لتصل إلى 601.1 بليون يوان (91.7 بليون دولار). ووفق تقارير متقاطعة، يهدد التحديث السريع ل «جيش التحرير الشعبي الصيني» بإعادة إطلاق سباق التسلح في آسيا، على رغم أن الصين حرصت على إبقاء نفقاتها الدفاعية متواضعة مقارنة بمعظم الدول الكبرى. ويمثّل الإنفاق الدفاعي 6 في المئة من الموازنة الصينية. ويلزم الجيش الصيني، وهو الأكبر عدداً بين الجيوش، أقصى قدر من السرية حول برامجه العسكرية، مُشدّداً على أنها دفاعية محضة. ويؤشّر هذا الارتفاع في الموازنة الدفاعية إلى تزايد قوة جيش التحرير الشعبي، خصوصاً مع توجهه لردم الهوة مع روسيا الاتحادية والولاياتالمتحدة. لذا، يعتقد كثير من الخبراء العسكريين أن الزيادة في النفقات الدفاعية العسكرية في الصين، تعكس الرغبة في الاستمرار بممارسة ضغوط على واشنطن وطوكيو ودول أخرى في المنطقة. استهداف الأقمار الاصطناعية وتجدر الملاحطة إلى أن نسبة الزيادة في موازنة الجيش الصيني، ارتفعت خمسة أضعاف منذ عام 1999، ما يثير قلق بعض الدول الغربية. وفي أوقات سابقة، انتقدت الولاياتالمتحدة انعدام الشفافية في الموازنة العسكرية الصينية. ورأت في ذلك تهديداً محتملاً للأمن القومي الأميركي، مشيرة إلى الطموحات العسكرية الصينية. وكشف تقرير صدر أخيراً عن وزارة الدفاع الأميركية، أن الصين بصدد تطوير أسلحة بمقدورها تعطيل تقنيات تمتلكها دول «معادية» في المدار الفضائي، خصوصاً الأقمار الاصطناعية، إضافة إلى تعزيز قدراتها في مجالات الحرب - الكهرومغناطيسية. وأشار التقرير عينه إلى أن الصين طوّرت وسائل للتسلّل والتحكم في شبكات الكومبيوتر، ما وصفه خبراء في البنتاغون بأنه تهديد جديد وخطر. وأوضح التقرير أيضاً أن الصين شكّلت مصدراً لهجمات إلكترونية تضمّنت التسلّل إلى شبكات البنتاغون ومراكز البحوث الأميركية، إضافة إلى عدد من كبريات الشركات في الولاياتالمتحدة. وكذلك تبيّن أن التسلّل إلى شبكات الكومبيوتر في ألمانيا، يجرى بواسطة قراصنة كومبيوتر «هاكرز» صينيين حمّلهم التقرير أيضاً المسؤولية عن عمليات اختراق نُظُم الكومبيوتر في فرنسا وبريطانيا، مشيراً إلى أن هؤلاء ال «هاكرز» يعملون يومياً وعلى مدار الساعة. في سياق مُشابه، حذّرت أجهزة الاستخبارات البريطانية المؤسسات المالية من أنها أصبحت أهدافاً لهجمات إلكترونية عبر الإنترنت، تنطلق من الصين الشعبية. وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أن القدرات العسكرية الصينية المتطورة في الحرب الإلكترونية والأقمار الاصطناعية، يمكن أن تهدد قدرة القوات الأميركية على العمل في المحيط الهادئ. وعبّر غيتس عن قلق واشنطن من تحديث الجيش الصيني الذي استعرض قوته أخيراً بإجراء أول اختبار على طائرة مقاتلة خفيّة من نوع «الشبح»، مشيراً إلى عزم بكين أيضاً على تطوير حاملات طائرات، وصواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية، وأنظمة إلكترونية متطورة أخرى. وكذلك طرح وزير الدفاع الأميركي علامات استفهام حول نيات الصين وبرنامجها غير الشفّاف في التحديث العسكري، معتبراً أن هذه الأمور تمثّل مصدر قلق لجيران الصين. كما عبّر غيتس عن قلق واشنطن من التطوّر الذي يحققه الجيش الصيني في الحرب الإلكترونية والصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية، مشيراً إلى أن هذا التطوّر يشكّل تحدياً محتملاً لقدرة قوات الولاياتالمتحدة على العمل والتحرّك في المحيط الهادئ. بانتظار عام 2018 في المقابل، أوضحت وزارة الدفاع الصينية أنها تسعى لتطوير قدرة هجومية برية تتسم بإمكانات عالية في الاختراق، بهدف نشرها بحلول عام 2018، مؤكّدة أنها تعمل أيضاً على تحديث طائرات قاذفة استراتيجية من طراز «بي 1» و «بي 2» و «بي 52». وعلّق خبراء عسكريون على هذا التوجّه الصيني بالإشارة إلى أن هذه الأنظمة العسكرية في القرن ال21 يمكن أن تطير مع أو من دون طيّار. ورأوا أيضاً أنها قد تضمّ مزيجاً من الصواريخ والقاذفات وأشعة الليزر. وشدّد هؤلاء على أن الصين تتمتع بالقدرة الأكبر على منافسة الولاياتالمتحدة عسكرياً، كما تستطيع إدخال تقنيات عسكرية مدمّرة، ما قد يمكّنها مستقبلاً من معادلة التقدّم العسكري الأميركي التقليدي. وشدّد كثير منهم على خطورة غياب استراتيجيات أميركية مضادة لهذا التوجّه الصيني، خصوصاً في الصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ المتّصلة بنُظُم الدفاع الجوي. في سياق مماثل، أوصى تقرير مختصّ صدر عن البنتاغون باتّخاذ عدد من التدابير السرية لضمان استمرار تفوّق القوة العسكرية الأميركية على القدرات الصينية، من بينها الهيمنة على الأجواء، وامتلاك قدرات هجومية طويلة المدى، وتحسين العمليات الرئيسة والاستراتيجية. وأورد التقرير أن الصين عزّزت بنيتها عسكرياً بمزيد من الأنظمة الإلكترونية المتطورة وأجهزة الليزر، إضافة إلى تعزيز ترسانتها النووية وتحديثها. كما أشار التقرير الى أن الصين صدّرت أسلحة بقرابة 7 بلايين دولار، لدول مختلفة، خصوصاً باكستان. ولفت إلى إنشاء الصين قاعدة بحرية كبرى في جزيرة «هاينان» الصينية، ما يتيح لبحريتها تواصلاً مباشراً مع طرق الملاحة الدولية، كما يوفّر لغوّاصاتها القدرة على العمل بحرّية في المياه العميقة لبحر الصين الجنوبي. في نفسٍ مُغاير، أكّد وزير الدفاع الأميركي أن في إمكان الولاياتالمتحدة والصين التعاون في شأن المسائل التي تتضمن مصالح استراتيجية مشتركة للطرفين، مثل الأزمات التي تُغذي عدم الاستقرار، والسلوك الاستفزازي لكوريا الشمالية، وتطوير إيران أسلحة دمار شامل، والقرصنة في الخطوط البحرية لإمدادات النفط، إضافة الى برامج التسليح النووي والحرب على الإرهاب. وبصورة عامة، يعتقد الخبراء أن موازنة الدفاع تعكس النمو الاقتصادي والمالي والسياسي للصين التي انتزعت المركز الثاني بين القوى الاقتصادية عالمياً، مزيحة اليابان عن هذا الموقع. فقد بلغ معدّل النمو في الاقتصاد الصيني 8.7 في المئة عام 2010، وفق إحصاءات حديثة، ما يمكن أن يقود إلى ناتج قومي يبلغ 4911 بليون دولار. ويفسر ذلك توقّع روبرت مانديل، وهو حائز جائزة نوبل في الاقتصاد، بأن الصين تستطيع أن تتجاوز مجمل الناتج القومي لمنطقة اليورو خلال العقدين المقبلين. وإذا صحّت هذه الرؤية الثاقبة، فإنها تقدّم أفضل تفسير لارتفاع الموازنة الدفاعية في الصين، إذ تعتبرها مجرد مؤشر آخر الى صعود الصين في المشهد العالمي، على الصُعُد كافة. * باحث لبناني في الشؤون الاستراتيجية