قيل الكثير عن خلفيات أو أسرار هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، ونُسجت عنها أقاويل وادعاءات بعضها أقرب إلى الأساطير. حتى أن مؤلّفاً فرنسياً مغموراً حقّق أكبر مبيعات الكتب عبر العالم، سنة 2002، بكتاب ادّعى فيه أن أي طائرة لم تسقط على مبنى البنتاغون بل ضُرب بصاروخ! وتم تداول إشاعات كثيرة، زعم بعضها أن عدداً من الانتحاريين التسعة عشر اتصلوا بذويهم بعد الهجمات، وقالوا انهم لا يزالون أحياء، وادّعى البعض الآخر وجود أيد إسرائيلية في الهجمات، سواء بمراقبة أو تتبع أو تصوير الانتحاريين أو بإصدار تحذير مزعوم قيل إنه وُجّه إلى اليهود الموجودين في برجي مركز التجارة العالمي صباح التفجير لإخطارهم بضرورة مغادرة المكان... وعلى رغم الرواج الكبير الذي لقيته تلك الأقاويل لدى هواة"نظرية المؤامرة"، إلا أن أية قرائن أو أدلة ملموسة لم تأت لتؤكّدها طوال السنوات الست المنقضية منذ هجمات"11 سبتمبر". لكن هذا لا يمنع وجود"مناطق ظل"فعلية ومريبة بخصوص تلك الهجمات، خصوصاً ما يتعلق بأداء أجهزة الاستخبارات الأميركية في الفترة التي سبقتها، حيث ظلت الأجهزة الأميركية مكتوفة الأيدي ولم تتحرك لإحباط الهجمات، على رغم من أن معلومات بالغة الخطورة تجمعت لديها في شكل مسبق. ولو لم تتعرض تلك المعلومات للإهمال والتجاهل، لما أمكن انتحاريي"11 أيلول"أن ينجحوا في مخططاتهم، وهذا ما تكشفه بالتفصيل الوثائق السرية التي ننشرها في هذا الملف... ما قصة هذه الوثائق؟ وما الذي تكشفه بالضبط عن خلفيات هجمات"11 أيلول"وأسرارها؟ الوثيقة الأولى مذكرة سرية رفعتها الاستخبارات المركزية الأميركية إلى الرئيس جورج بوش، بتاريخ 6 آب أغسطس 2001، أي قبل الهجمات ب35 يوماً، وجاء فيها أن أسامة بن لادن عازم على ضرب الولاياتالمتحدة الأميركية، وأنه قرر"نقل المعركة"إلى داخل التراب الأميركي. وتشير الوثيقة أيضاً الى أن السفارة الأميركية في الإمارات العربية المتحدة تلقت اتصالاً حذّر من أن عناصر من"القاعدة"موجودون في الولاياتالمتحدة ويعدّون لهجوم إرهابي. وتضيف بأن مكتب التحقيقات الفيديرالي فتح 70 تحقيقاً متعلقاً بنشاطات أنصار بن لادن في أميركا، وأنه رصد تحركات مريبة تتعلق بخطف طائرات! الوثيقة الثانية عبارة عن مجموعة من الرسائل الخطية كتبها من سجنه زكريا موسوي، المتهم بأنه"الانتحاري ال20"في هجمات"11 أيلول". وفيها يؤكد أن مكتب التحقيقات الفيديرالي كان يقوم بمراقبته هو والخاطفين ال19 قبل هجمات"11 أيلول"، ويتهم"إف بي آي"بالتواطؤ عمداً في التستر على نشاطات الخاطفين، بدليل أنه تعمّد عدم اعتقال هاني حنجور، أحد هؤلاء، على رغم التبليغ عنه كعنصر خطير في مدرسة الطيران ذاتها التي اعتُقل فيها موسوي. وتؤكد هذه الرسائل أن الحكومة الأميركية وكبار ضباط مكتب التحقيقات"تآمروا بصفاقة للسماح عمداً بوقوع هجمات"11 أيلول"، من أجل استغلالها لاحقاً كحجة لتدمير أفغانستان". اللافت أن تهم"التآمر"وپ"التستر العمد"ذاتها، التي يقول بها موسوي، تؤكدها محقّقة"إف بي آي"التي اعتقلته بمكتب مينيابوليس، كولين روولي، التي قدّمت استقالتها لاحقاً، واتهمت كبار مسؤولي"إف بي آي"بأنهم تصرفوا في شكل مريب للتستر عمداً على النشاطات الإرهابية لمدبري هجمات"11 أيلول"! الوثيقة الثالثة تقرير أعدّه فرع مكتب التحقيقات في مدينة فينكس، بتاريخ 10 تموز يوليو 2001، أي قبل شهرين كاملين من هجمات"11 أيلول"، ويشير الى أنه تم رصد عدد غير اعتيادي من أنصار بن لادن الذين كانوا يتابعون تدريبات في مدارس الطيران في ولاية أريزونا. ويقول التقرير بوضوح إن الأمر ليس محض صدفة، وأنه يندرج ضمن مسعى منسّق من جانب بن لادن لتكوين أشخاص قادرين على تدبير هجمات إرهابية تستهدف الطيران المدني. الوثيقة الرابعة دراسة استراتيجية تم إعدادها في أيلول 1999، أي قبل عامين بالضبط من هجمات"11 سبتمبر"، من جانب"الهيئة الفيديرالية للأبحاث"، التابعة لأجهزة الاستخبارات الأميركية، وهي عبارة عن بحث استشرافي يرصد تطور ظاهرة الإرهاب، ويقدّم سيناريوات لأشكال الهجمات الإرهابية الجديدة المرتقب ظهورها أو ابتكارها مستقبلاً. وتشير هذه الوثيقة أن انتحاريين من"فيلق الشهداء"التابع لتنظيم"القاعدة"قد يستعملون أشكالاً متعددة من الهجمات الإرهابية لضرب العاصمة الأميركية، من ضمنها استعمال طائرات لصدم البنتاغون أو البيت الأبيض أو مقر وكالة الاستخبارات الأميركية! ما الذي حدث بالضبط؟ الاستخبارات الأميركية كانت، إذاً، تعرف سلفاً، قبل وقوع هجمات"11 أيلول"، أن أسامة بن لادن قرر نقل"المعركة"إلى التراب الأميركي، وأنه أرسل عدداً من أنصاره لتحضير هجمات إرهابية، وأن تحركات إرهابية مريبة قد رُصدت بما يرجح احتمال خطف طائرات، في الوقت الذي اكتُشف عدد غير اعتيادي من أنصار بن لادن الذين كانوا يتابعون تدريبات في مدراس الطيران في أميركا، وتحديداً في ولاية أريزونا. في حين كانت دراسة استراتيجية توقّعت قبل عامين من الهجمات لجوء انتحاريين من"القاعدة"إلى أشكال مبتكرة من الهجمات الإرهابية، منها صدم البنتاغون أو البيت الأبيض بواسطة طائرات مختطفة. حيال كل هذه المؤشرات المريبة، لماذا لم تتحرك أجهزة الاستخبارات الأميركية لإحباط الهجمات واعتقال الخاطفين ال19؟ هل كان ذلك قصوراً أم تقصيراً أم مؤامرة؟ البيت الأبيض اعترف في شهر نيسان أبريل 2004، بعد أكثر من عامين من الإنكار والمماطلة، بأن الرئيس بوش لم يقرأ الوثيقة التي تلقاها من"سي آي إيه"بتاريخ 6 آب أغسطس إلاّ في صباح 12 أيلول، أي في اليوم التالي للهجمات! أما الوثيقة التي حذّرت من وجود عدد مريب من أنصار أسامة بن لادن في مدارس الطيران في أريزونا، وطالبت بإعداد قائمة بكل الأجانب الذين دخلوا البلاد للالتحاق بمدارس الطيران، فقد تبين للجنة التحقيق التي شكّلها الكونغرس وقامت بفحص كومبيوترات مصلحة مكافحة الإرهاب في المقر المركزي ل"إف بي آي"، أن هذه الوثيقة تمت دراستها يوم 27 تموز 2001، وكُتبت في الكومبيوتر ملاحظة تقول: تم النظر فيها مع"وحدة أسامة بن لادن"خلية متخصصة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، وتقرّر عدم القيام بأي إجراء في الوقت الراهن! هل كان الأمر مجرد إهمال وتقصير؟ أم هو تواطؤ متعمد للتستر على الهجمات الإرهابية، بهدف استغلالها لاحقاً لتبرير الحروب الأميركية المبيتة في العالم الإسلامي، كما يقول زكريا موسوي، وكما تؤكده المحققة الخاصة التي اعتقلته كولين روولي؟ المنسق السابق لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض : دقوا ناقوس الخطر إذا سقط عصفور عن غصنه من دون مبرر ! في مذكراته التي أصدرها في ربيع العام 2004، تحت عنوان"ضد كل الأعداء"، يروي منسق فريق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، ريتشارد كلارك، أن المعلومات التي توصلت اليها الاستخبارات الأميركية، بدءاً من ربيع 2001، جعلته متيقناً من أن"القاعدة"تحضّر عملاً إرهابياً كبيراً فوق التراب الأميركي. ويضيف:"خلال الأسبوع الأول من تموز يوليو 2001، عقدتُ اجتماعاً لفريق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، وأمرت بإبلاغ كل أجهزة الاستخبارات بأن تضع نفسها في حالة طوارئ قصوى، وأن تلغى الإجازات السنوية أو أية تنقلات مقررة سلفاً للعاملين في مكافحة الإرهاب. وطلبت من كل جهاز إن يبلّغنا في الحال عن أي أمر مريب"، ويقول:"إذا سقط عصفور عن غصنه من دون مبرر معقول، فعليكم أن تدقوا ناقوس الخطر فوراً! طلبت من"إف بي آي"أن يرسل إخطاراً بذلك إلى مكاتبه البالغ عددها 18 ألفاً، وطلبت من وزارة الخارجية أن تبلغ السفارات كافة، ومن وزارة الدفاع أن تفعّل نظام الطوارئ"دلتا". وفي اليوم التالي عقدتُ اجتماعاً لمسؤولي الطيران المدني والجمارك وحرس الشواطئ، لإبلاغهم بالتحذير ذاته، وطلبتُ تشديد الرقابة في المطارات والموانئ...". ويتابع:"في مكان ما، في مكتب تابع ل"سي آي إيه"، وصلت معلومة تقول ان إرهابيين معروفين بانتمائهم الى"القاعدة"قد دخلا الولاياتالمتحدة إشارة إلى نواف الحازمي وخالد المحضار، اللذين رُصدا من الاستخبارات الأميركية منذ تفجير المدمرة"كول"في اليمن، ونُسي وضع اسميهما على قوائم الإرهابيين الممنوعين من دخول التراب الأميركي... وعلى مكتب آخر في مقر"إف بي آي"، حطّت تقارير أخرى تشير الى أن نشاطات مريبة تجرى في مدارس للتدريب على الطيران في أريزونا. لقد كانت تلك المعلومات أخطر بكثير من سقوط عصفور عن غصنه. لكن أحداً لم يدق ناقوس الخطر، كما طلبتُ!".