في بلد مثل العراق، يعتبر إصدار قانون للنفط عملاً "سياسياً وسيادياً" لارتباطه بالمخطط الذي يرسم مسار استخراج النفط وإنتاجه، من احتياطات تعتبر محدودة وتشكل مصدر ثروة هائلاً، إذ تقدر عائدات المؤكد منها والمحتمل، بأسعار اليوم، في حدود 21 تريليون دولار، أي في المعدل حوالى مليون دولار حصة المواطن العراقي البائس منها. لذلك اتصف قطاع النفط بأنه قطاع مسيطر تعتمد عليه القطاعات الاقتصادية في البناء والتنمية الاقتصادية على المديين القصير والبعيد، إذا ترك للعراقيين السيطرة واستخدام عوائده المتحققة استخداماً عقلانياً متوازناً. ويطلق على منظومة القرارات والعمليات والأنشطة التي ذكرنا مبدأ سيادة الدولة على مواردها الطبيعية، وتقتضي التدخل المباشر في أنشطة القطاع النفطي، من خلال امتلاك القرارات الرئيسة المهمة في جوانبها الفنية والاقتصادية والمالية. لذا يعتبر النفط من مكونات السيادة الاقتصادية والسيادة السياسية، وأن إصدار قانون للنفط يتطلب وجود حاجة وطنية ملحة وإرادة سياسية حرة غير منقوصة كشرط مسبق لإصداره والعمل به. ولمعرفة مدى توافر تلك الشروط المسبقة، يجب أن نبحث في الظروف التي هيأت لظهور هذا المشروع ومراحل مسودة القانون: * عام 2002، عقدت سلسلة اجتماعات بين الشركات النفطية الأميركية وإدارة بوش، صرح، إثرها، مدير الاستخبارات المركزية آنذاك جيمس وولسي بأن"نفط ما بعد الحرب، سيستخدم كورقة تفاوض لنيل دعم الفرنسيين والروس للحرب". في 6/10/2002 نشرت"الأوبزرفر"، أن"توتال"دخلت في مفاوضات فعلية مع الحكومة الأميركية حول"إعادة توزيع نفط الأقاليم!! بين الشركات الرئيسية العالمية التابعة للحكومات الصناعية وعلى رأسها أميركا وبريطانيا". عام 2002 عقد إجتماع بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير في تكساس لمناقشة زيادة الطاقة الإنتاجية للخليج، أعقبه تشكيل فريق عمل تابع لوزارة الخارجية الأميركية التي قامت بدورها بتشكيل قوة التدخل السريع للطاقة برئاسة ديك تشيني. - بعد شهرين من الغزو والاحتلال، في ايار مايو 2003عقد اجتماع سري في لندن بين وزير خارجية استراليا الكسندر داونر ووزير خارجية بريطانيا السابق مالكولم ريفكند، وممثلين عن الحكومة الأميركية حول وضع استراتيجية للسيطرة على حقل"الحلفاية"، ووزعت نماذج من عقود للاطلاع عليها. في عام 2004 أصدر المركز الدولي للضريبة والاستثمارInternational Tax & Investment center المكون من 110 شركات عالمية نفطية عملاقة يضم شل، النفط الأنكليزية، كونوكوفيلبس، أكسون موبيل، شيفرون، تكساكووغيرهم، تقريره"النفط ومستقبل العراق"الذي أوصى بالاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد العراقي والأخذ بعقود المشاركة في الإنتاج في القطاع النفطي نظراً الى كونها تمثل"النموذج القانوني والمالي". - في بداية الاحتلال، عُيّن مديرون فنيون من الشركات الأميركية في وزارة النفط كانوا يروُجون للأخذ"بعقود مشاركة الإنتاج". وفي 13/7/2003 عين الحاكم العسكري الأميركي بول بريمر في مجلس الحكم الدكتور إبراهيم بحر العلوم وزيراً للنفط الذي كان عضواً في فريق عمل وزارة الخارجية الأميركية. - في 19 أيلول سبتمبر 2003، أصدر بريمر قانوناً يتعلق بتخصيص نحو 200 شركة حكومية في مختلف القطاعات. ووصفت"الأيكونومست"البريطانية تلك الإجراءات"بأنها انتهاك فاضح لاتفاقات لاهاي"ووصفت الاحتلال"بالحلم الرأسمالي". - اشتركت"أميريكان بيرفيغ بونيت"وهي شركة مقاولات مكتبها في فيرجينيا في مناقشة مسودة قانون النفط مع شخصين من السفارة البريطانية والأميركية ووزير الطاقة الأميركي سامويل بودمان. - عرضت مسودة القانون على: 1 - الحكومة الأميركية والشركات النفطية الرئيسية في تموز/ يوليو 2006. 2 - صندوق النقد الدولي أيلول 2006. 3 - البرلمان العراقي في شباط/ فبراير 2007. في ضوء ما ذكرنا أعلاه، نجد أن انبثاق فكرة إعداد مشروع قانون للنفط لم يكن وليد ضرورة وطنية ملحة في ظل الأوضاع القائمة، وإنما تحقيقاً لمصالح محتل يوظف القوة الغاشمة في إطار استراتيجية عسكرية ? رأسمالية، تهدف إلى فرض الهيمنة على المنطقة والعالم. كما أن بعض الرموز في مجلس الشيوخ طلبت من الإدارة الأميركية تقديم موضوع قانون النفط على موضوع تحقيق الأمن واستغلال الفوضى القائمة. إضافة الى ذلك، وبسبب الظروف القائمة حالياً، فإن"الإرادة العراقية"لم تكن حاضرة عند الإعداد لهذا القانون، ولا شاهدة على مراحله وأهدافه الحقيقية. أما الحكومة والبرلمان فقد مورست عليهما ضغوط هائلة، أريد استخدامهما كغطاء"لشرعية دستورية غائبة". وحرصاً منا على ترسيخ الحقيقة والموضوعية، ننقل في أدناه أهم ما ورد على مشروع القانون من ملاحظات تستوجب التساؤل: - في ظل وجود قانون نفطي للعراق يأخذ بمبدأ سيادة الدولة على مواردها الطبيعية، يصبح من غير الضروري تسريع عملية إصدار قانون بديل في ظل غياب الشروط الرئيسية المسبقة والواجب توافرها الأمن، الاستقرار، إيقاف فوضى الاقتتال والفساد السياسي والمالي والإداري، بناء مؤسسات الدولة، تحقيق الأهلية السياسية الوطنية والدولية للحكومة.... - ضغط جنرالات النفط وصندوق النقد الدولي، على العراق لإصدار قانون لسوق حرة للهايدروكاربون، تحقق أرباحاً هائلة للشركات. - يزيد صندوق النقد الدولي ضغوطه لجعل قانون النفط أكثر ليبرالية كشرط مسبق من أجل شطب نحو 6 في المئة من ديون العراق. - تتحول سلطة إدارة نفط العراق، في شكل ينذر بالخطر، من الحكومة المركزية إلى الأقاليم والمناطق غير التابعة لإقليم. - تركت تفاصيل القانون للقرارات المستقبلية التي يتخذها"المجلس الفيديرالي للنفط"، الذي قد يتضمن عضوية شركات نفطية أجنبية. - يجرّد القانون المقترح العراق من أية رقابة حقيقية على المورد الرئيسي فيه، ومن أي دور داخل منظمة"أوبك"، ويحرمه عوائد كبيرة. - يضع القانون مهمة تطوير عدد من حقول النفط العراقية 17 حقلاً من أصل 80، في يد الشركات النفطية الخاصة. - لم يحدد القانون النسبة التي يمكن للشركات الأجنبية استثمارها أو ملكيتها في الاقتصاد العراقي، ولا حجم شراكتها مع العراقية، أو استخدامها للعمالة العراقية، أو مشاركتها الجانب العراقي في التكنولوجيا. - يساهم في تفكيك الدولة العراقية ونشر الفوضى، تحت شعار الفيديرالية. إذ أن ما جاء في الدستور والقانون يمهد لإيجاد دويلات مستقلة يسهل التأثير عليها أو إنسلاخها عن العراق المادة 108 - 120. - يجب أن تكون الحكومة الفيديرالية الجهة المسؤولة عن الترخيص التنقيب والاستكشاف والتطوير والإنتاج، نظراً الى كونها تمثل كل الشعب العراقي في ملكية النفط والغاز. - يجب إقرار تعديلات الدستور وقانون شركة النفط الوطنية قبل إقرار قانون النفط. - يجب إشراك شركة النفط الوطنية في كل العمليات النفطية المتعلقة بالملحق 3 وپ4 من قانون النفط والغاز. لتكتمل الصورة، لا بد لنا من المرور على"عقود المشاركة في الإنتاج"التي وصفها خبير العقود النفطية Daniel Johnston كالآتي: - في ظل عقود المشاركة، ليس للدولة إلا السيادة الشكلية. - إن بعض نصوص اتفاقات المشاركة، تكاد ان تكون سيادية في طبيعتها، حيث ينظر للنزاع في الإطار الواسع للقانون العام من دون الالتفات إلى المصلحة العليا للوطن. - عدم وجود فروق جوهرية بين"عقود الامتيازات"وعقود"المشاركة في الإنتاج"إلا من حيث إظهار السيطرة الشكلية للدولة في عقود المشاركة. - أبقت عقود المشاركة على جوهر الامتيازات النفطية من حيث العوائد النهائية الفاحشة والمتحيزة لمصلحة الشركات الأجنبية. ولإثبات ذلك: في دراسة مقارنة مع نموذج التأميم، أخذت شروط عقدية مشابهة للعراق، وجرى تطبيقها على المواصفات المادية للحقول العراقية 12 حقلاً من أصل 60 حقلاً غير مطور... وكانت النتائج كالآتي: عقود المشاركة في الإنتاج 30 -40 سنة: يتكبد العراق بموجبها خسائر بين 74 وپ194 بليون دولار عما لو تم تطوير نفطه من قبل الدولة وكان العائد السنوي للشركات: 42 - 62 في المئة للحقول الصغيرة 98 - 162 في المئة للحقول الكبيرة - لذلك نجد أن 12 في المئة فقط من حقول العالم خضعت لعقود مشاركة وفي بلدان تتصف حقولها النفطية بالصغر وارتفاع نسبة الأخطار. بينما 67 في المئة من حقول العالم طورت من قبل شركات النفط الوطنية التابعة لدولها. نصت قوانين لاهاي وجنيف ونورنمبرغ بما لا يقبل الشك على أن لا يحق للمحتل إحداث أي تغييرات هيكلية في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة المحتلة. والعراق بلد محتل بشهادة أقطاب من الحزب الديموقراطي الأميركي والعالم أجمع... فمن يطبق هذه القوانين؟ * عضو منتدى الفكر العربي - عمان