طالب الرئيس محمود عباس وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في لقائهما المشترك في رام الله في الضفة الغربية امس بدور اميركي فاعل في المؤتمر الدولي للسلام المزمع عقده الخريف المقبل، في حين طالبته رايس بدور امني فاعل يمهد لانخراط اسرائيل في المفاوضات السلمية، مؤكدة ان رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت ابلغها انه مستعد لبحث"قضايا اساسية"تقود الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة، من دون ان تذكر المزيد عن القضايا التي استعد اولمرت لبحثها. ويحدد الفلسطينيون قضايا الوضع النهائي التي يطالبون اسرائيل بالتفاوض عليها ب"اقامة دولة مستقلة على الضفة والقطاع بما فيها القدس، وحل عادل لقضية اللاجئين، والاتفاق على الحدود بين الدولتين، وحصص كل دولة في المياه الجوفية والسطحية". وكان الجانبان فشلا في التوصل الى اتفاق على هذه القضايا في مفاوضات رعاها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون في منتجع كامب ديفيد صيف العام 2000 في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود باراك، ما ادى الى تفجر الانتفاضة الحالية. ومن المستبعد ان ينجح الجانبان في التوصل الى اتفاق كامل على هذه القضايا في هذه المرحلة بسبب تباعد المواقف بينهما ازاءها، فضلاً عن الضعف الداخلي الذي تتسم به قيادة كل منهما. ويُفسر كثيرون دعوة اولمرت الى"اتفاق اعلان مبادئ"على انها محاولة أخرى للهروب من اتفاق سياسي حقيقي ينهي الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ عام 1967 ويجد حلا لقضية اللاجئين الفلسطينيين خمسة ملايين لاجئ التي نتجت عن اقامة دولة اسرائيل على 78 في المئة من ارض فلسطين التاريخية عام 1948. ويبدي اولمرت في مواقفه المعلنة استعداده لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على 90 في المئة من الضفة فقط، وهي المنطقة الواقعة خلف الجدار. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون الذي خلفه اولمرت في قيادة حزب"كديما"وفي رئاسة الحكومة، أقرَّ اقامة الجدار بهدف تجميع الكتل الاستيطانية الكبرى التي تضم 80 في المئة من المستوطنين، وضمها لاسرائيل. وفي المؤتمر الصحافي المشترك، اعلن عباس قبوله اقتراح اولمرت في شأن التوصل الى"اتفاق اعلان مبادئ"، لكنه اشترط ان يقود هذا الاعلان الى نتيجة معروفة مسبقا، وقال:"حديثنا في مؤتمر السلام سيكون منصبا على تطبيق خريطة الطريق، وعندما ننتهي الى اعلان مبادئ، من المهم ان نصل الى نتيجة، ان نعلم السقف الذي سنصل اليه، اما مراحل التطبيق فيمكن الاتفاق عليها". وكان عباس رفض في وقت سابق هذا الاقتراح الاسرائيلي الذي يُذكِّر باتفاق اعلان المبادئ الشهير في"اتفاق اوسلو"والذي فشل الجانبان في تفسيره طيلة عشر سنوات من التفاوض. ويرى بعض المراقبين ان عباس قبل الاقتراح بعد تدخل رايس، لكنه وضع شروطا على قبوله، في مقدمها ان يتضمن اتفاقاً تفصيلياً وجدولاً زمنياً. وحدد عباس الاسس التي يسعى الى التفاوض عليها مع اسرائيل ب"خريطة الطريق التي تتضمن أمرين، الاول هو رؤية الرئيس بوش لإقامة دولتين لشعبين، والثاني مبادرة السلام العربية التي تشمل جميع القضايا التي يمكن بحثها في الحل النهائي". وذكر مسؤولون شاركوا في شطر من الاجتماع انه تركز على عناصر نجاح مؤتمر السلام الفلسطيني - الاسرائيلي. وقال امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه:"طالبنا بأن يسبق المؤتمر تحضير فلسطيني - اسرائيلي، ودور اميركي فاعل"، موضحاً ان هذا المؤتمر يجب ان تسبقه وتعقبه مفاوضات جدية بين الجانبين. واضاف:"لا نعتقد ان المؤتمر سيحل المشكلة، لكنه سيشكل مظلة واطارا يجري في ظله تفاوض فلسطيني - اسرائيلي". وتابع:"سيحدد المؤتمر قواعد التفاوض وهي مبادرة السلام العربية". وقال عبد ربه ان الجانب الفلسطيني لا يستطيع التفاؤل ازاء نتائج هذا المؤتمر ما لم تقبل اسرائيل مبادرة السلام العربية، وما لم يلتزم المجتمع الدولي مراقبة اتفاقية السلام وتطبيقها ضمن جدول زمني محدد. وعن اعلان عباس قبوله اقتراحا اسرائيليا بالتوصل الى"اتفاق اعلان مبادئ"على غرار"اوسلو"، قال عبد ربه:"نريد أن نعرف اولا ما هو اعلان المبادئ هذا، هل سيكون اعلانا عاما ام تفصيليا يتضمن وجود ضمانات دولية لتحقيقه وجدولا زمنيا للتطبيق؟". وفي الزيارة، جددت رايس التعبير عن ثقة الادارة الاميركية بالرئيس عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، اذ بدأت زيارتها للاراضي الفلسطينية بزيارة فياض في مقر حكومته وبمشاركة اعضاء الحكومة. وقدم لها وزير الداخلية اللواء عبدالرزاق اليحيى شرحا مفصلا للخطة الامنية التي وضعها لتطبيق القانون والنظام في الضفة، معربا عن امله في ان تمارس الادارة الاميركية ضغطا على اسرائيل لضمان عدم قيامها بافشال هذه الخطة من خلال الاجتياحات والاعتقالات. ووقعت رايس وفياض اتفاقا قدمت الادارة الاميركية بموجبه الى الحكومة الفلسطينية مبلغ 80 مليون دولار لاصلاح اجهزة الامن. وقال مرافقون لرايس ان هذه المساعدات لا تتضمن شراء اسلحة، وانها تقتصر على معدات واجهزة غير قتالية. ويشكل مبلغ ال80 مليون دولار جزءا من رزمة المساعدات التي اعلن الرئيس بوش اخيرا تقديمها الى السلطة الفلسطينية لمساعدتها في مواجهة"انقلاب حماس". وكانت رايس التقت مساء اول من امس اولمرت الذي دعاها الى ابقاء"حماس خارج اللعبة"فيما تبحث اسرائيل تعاونا جديدا مع الفلسطينيين. وقال الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية ديفيد بيكر ان أولمرت ناقش مع رايس امكان تسليم بعض السيطرة الامنية في الضفة لقوات عباس، وقال ان هذا لا يمكن أن يحدث الا بعد تقديم"الضمانات الامنية الملائمة". واضاف ان اولمرت ورايس"تحدثا عن التعاون الامني في المستقبل مع الفلسطينيين وعن بواعث قلق اسرائيل... في خصوص نقل السيطرة الامنية على مدن ومناطق عدة... بما في ذلك اشتراط اسرائيل عدم حدوث ذلك الا بعد منح ضمانات أمنية ملائمة"بأن"الارهاب لن يظهر مجددا في تلك المناطق". وتابع:"لم يتم تبديد تلك المخاوف الامنية بعد". وزاد ان أولمرت تحدث مع رايس عن ازالة حواجز على الطرق لتحسين حرية حركة الفلسطينيين في الضفة. وقال وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الذي اجتمع مع رايس في وقت سابق امس في بيان:"هناك حاجة لبناء أفق سياسي مع الفلسطينيين وحاجة لتسهيل حياتهم اليومية... رغم أن أولويتنا واهتمامنا هو أمن المواطنين الاسرائيليين".