في الوقت الذي تهدد ظاهرة انتشار الصحف اليومية المجانية في إسرائيل احتكار صحيفة "يديعوت احرونوت" سوق الصحف المطبوعة 52 في المئة من قراء الصحف في إسرائيل يقرأون"يديعوت" وتصلّت السيف على رقبة"معاريف"و"هآرتس"اللتين تعانيان أصلاً أزمات مالية حادة جراء التراجع المتواصل في انتشارهما، يستأثر صدور صحيفة"إسرائيل اليوم"المجانية الاهتمام الأبرز في الساحتين السياسية والحزبية لقناعتهما ان وراء الاستثمار الهائل في صحيفة مجانية أجندة واضحة لصاحبها البليونير الأميركي -اليهودي شلدون اديلسون، بعيداً عن الربح المادي، تصب في دعم صديقه الحميم زعيم"ليكود"اليميني بنيامين نتانياهو في الوصول من جديد إلى سدة الحكم في الدولة العبرية. ولم يأت توقيت صدور العدد الأول من الصحيفة، التي توزع على البيوت ب150 ألف نسخة، "يديعوت"توزع يومياً نحو 270 ألف نسخة بداية هذا الشهر صدفة إنما ارتبط بإجراء الانتخابات الداخلية لزعامة"ليكود"هذا الأسبوع والتي أسفرت عن انتصار واضح لرئيس الحكومة السابق نتانياهو في غياب منافسين جديين له على الزعامة. ورغم محاولات صاحب الجريدة الجديدة، الذي يعتبر أغنى يهودي في العالم وثالث أثرياء الولاياتالمتحدة وتقدر ثروته ب27 بليون دولار جناها أساساً من تشغيل اكبر الكازينوهات في لاس فيغاس، نفى أن يكون وراء مشروعه الجديد أجندة سياسية إلاّ ان عناوين الصحيفة في الأيام التي سبقت الانتخابات في"ليكود"لم تبق مجالاً للشك في هوية الصحيفة السياسية. ففي مقابل سيل المقالات في مختلف وسائل الإعلام العبرية التي انتقدت سلوك نتانياهو قبل الانتخابات أمام منافسه المغمور المتطرف اليميني موشيه فيغلين، كرست"إسرائيل اليوم"عناوينها الرئيسة وافتتاحياتها قبل الانتخابات للتهليل بنتانياهو وانضمت إلى دعوته منتسبي"ليكود"إلى المشاركة في عملية الاقتراع وكتبت انه ينبغي أن تكون النتيجة"انتصاراً كاسحاً"لنتانياهو. ومع ظهور النتائج بحصول نتانياهو على 75 في المئة من الأصوات لم تخف الصحيفة فرحتها العظيمة في حين ان سائر وسائل الإعلام العبرية اعتبرت حصول المنافس فيغلين على ربع الأصوات"هزيمة لنتانياهو"وذكّرت بأن فيغلين حصل قبل خمس سنوات على 3 في المئة من الأصوات فقط. وتؤكد تقارير صحافية ان ادلسون، الذي سبق أن تبرع بمبالغ كبيرة لنتانياهو في حملاته الانتخابية السابقة تماماً كما فعل في حملات مماثلة للرئيس الأميركي جورج بوش، يرى في إصدار الصحيفة المجانية باستثمار نحو 200 مليون دولار"رافعة ايديولوجية وسياسية"لتدعيم خط سياسي واضح هو خط يميني متشدد، كما يؤكد أحد المقربين من البليونير الأميركي، مضيفاً ان"أفكار ادلسون السياسية قريبة جداً من اليمين المتطرف في إسرائيل وأنه يرى ان الدولة العبرية"في صراع وجودي دائم تحت تهديد الإسلام المتطرف". وبرأي ذلك المقرب فإن زوجة أديلسون، وهي إسرائيلية، تعتبر من أشد أنصار نتانياهو وتربط بينهما علاقات شخصية متينة. وتوقع المقرب أن لا يكتفي البليونير بإصدار الصحيفة المجانية بل انه ما زال يطمح لاقتناء صحيفة"معاريف"ثانية أوسع الصحف العبرية انتشاراً في إسرائيل. ولم تكن التغطية الإعلامية المؤيدة لحملة نتانياهو الانتخابية المؤشر الوحيد لوجهة الصحيفة السياسية بل كان كافياً مراجعة أسماء المحررين والصحافيين الكبار الذين اصطفاهم ادلسون لاداء مهمة التحرير والتعليق ومعظمهم محسوب على الأوساط اليمينية مثل رئيس تحرير صحيفة"هتسوفيه"اليمينية المتطرفة الناطقة بلسان المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو على أصدقاء نتانياهو الشخصيين وفي مقدمهم رئيس التحرير عاموس ريغف أو المعلق دان مارغليت الذي جيء به من"معاريف"مقابل عرض مالي مغر ليواصل حملته الشديدة على رئيس الحكومة ايهود اولمرت ودعواته المتكررة إلى استقالته. لكن بينما تبدي أوساط قريبة من نتانياهو ارتياحها لصدور الصحيفة الجديدة لتكون له بوقاً إعلامياً وسنداً قوياً في معركته من أجل العودة إلى كرسي رئيس الحكومة، أعربت أوساط في"ليكود"عن خشيتها من أن"ينقلب السحر على الساحر"وتفقد الصحيفة الجديدة من تأثيرها على القارئ الإسرائيلي في حال أدرك الأخير أنه أمام مجرد ورقة دعائية أو نشرة ذات لون واحد، لا صحيفة مستقلة سياسياً تتيح المجال للرأي الآخر، كما"يديعوت أحرونوت"أو"معاريف"أو حتى"هآرتس"، هذا فضلاً عن احتمال أن يقع نتانياهو ضحية حرب بين هذه الصحف والصحيفة الجديدة.