فرك الإسرائيليون الثلثاء الماضي عيونهم غير مصدقين ما رأوه من عنوان في صدر الصفحة الأولى من صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية المعروفة بأنها بوق رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو: «مشهد العجز لنتانياهو... إسرائيل منبطحة وضعيفة وواهنة ومذعورة ومعدومة». كانت المفاجأة كبيرة لأن الحديث يدور عن صحيفة أصدرها قبل عشر سنوات صديق نتانياهو الحميم البليونير اليهودي الأميركي شيلدون أديلسون لتكون أول صحيفة مجانية في إسرائيل، معلناً بوضوح أن الهدف منها إعادة نتانياهو و «ليكود» إلى الحكم. وعلى مدار عشر سنوات أخرج خلالها أديلسون من جيبه 200 مليون دولار، تحوّلت الصحيفة بوقاً إعلامياً لنتانياهو، فأفردت صفحاتها الأولى له ودافعت باستماتة عن سياساته، وغدت خلال سنوات قليلة الأوسع انتشاراً في إسرائيل، إذ تخطت صحيفة «يديعوت أحرونوت» لمالكها نوني موزس، وباتت تحظى بحصة الأسد من الإعلانات التجارية الحكومية، لتصبح الأخيرة رأس حربة في التصدي لنتانياهو وسياسته. ولا يجزم المعلقون بعد هل كان العنوان القاسي بحق نتانياهو في «إسرائيل اليوم» مؤشراً الى تغيير الصحيفة سياستها، وهل لذلك علاقة بفضيحة اللقاءات السرية التي أجراها نتانياهو قبل عامين مع مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت» لعقد صفقة معه تقضي بإضعاف صحيفة «إسرائيل اليوم» في مقابل تغيير «يديعوت أحرونوت» سياستها المناوئة له. وفي حال تبين حقاً أن «اسرائيل اليوم» تخلت عن نتانياهو، فسيبقى بلا قاعدة إعلامية داعمة، إذ سبق أن خسر موقع «وللاّ» على شبكة الانترنت، ولم يعد البث الرسمي تحت سيطرته بعد فشل خطته في هذا الاتجاه، فيما يقاطع منذ سنوات محطات التلفزة التجارية النافذة (القناتين الأولى والثانية) وصحيفتي «يديعوت أحرونوت» و «هآرتس»، ويشن حرباً متواصلة على كبار المعلقين، ولم يتبق له سوى صفحته على «فايسبوك». ويرى الصحافي دان مرغليت الذي عمل في الصحيفة حتى قبل فترة وجيزة، أن من السابق لأوانه أن تتخلى الصحيفة عن نتانياهو، وأنه حتى لو فعلت ذلك، «فإنني استبعد أن تعدّل سياستها الداعمة لليمين». وكتب الصحافي المخضرم عوزي بنزيمان محرر موقع «العين السابعة» أن الصحيفة وجدت لتخدم نتانياهو سياسياً ولتحسين صورته في الرأي العام، وهذه لم تكن أجندة خفية، إنما إعلان نيات واضح، إذ سبق لأديلسون أن أعلن بصوت عالٍ إنه أصدر مشروعه ليتصدى لمالك صحيفة «يديعوت أحرونوت»، «الذي يدير من خلال صحيفته حملة متواصلة على نتانياهو»، مضيفاً أن صحيفته ستُظهر الوجه الايجابي لنتانياهو بعكس الصورة التي تعكسها «يديعوت أحرونوت». وأردف بنزيمان أن «إسرائيل اليوم» استحقت بجدارة كنية «بيبيتون» (أي صحيفة بيبي - نتانياهو) بمنحها المتواصل، من خلال محرريها ومعلقيها، دعماً أعمىً لنتانياهو وزوجته «في شكل مهين للصحافة الحرة». ولفت بنزيمان إلى أن عنوان الصحيفة هذا الأسبوع الذي تعرض بحدة لسلوك نتانياهو في قضية المسجد الأقصى، كتبه أحد أكبر الصحافيين المؤيدين له، ماتي توخفيلد، الذي عوّد قراءه على رؤية نتانياهو زعيماً لا مثيل له، وأن الانتقادات التي يوجهها اليه زملاؤه الصحافيون هدفها الوحيد إسقاط نتانياهو واليمين عن الحكم. وتابع بنزيمان: «يبقى السؤال، أين تتجه الصحيفة التي خسر مالكها منذ إصدارها 200 مليون دولار؟ وما المنطق من بقائها من الآن فصاعداً؟». ولدى محاولته الإجابة على السؤال، كتب بنزيمان أن من الجائز أن يكون العنوان المنتقد عقاباً موقتاً أو لمرة واحدة ضد نتانياهو، وأن الأخير سيعرف كيف يجد الطريق لإرضاء صديقه أديلسون المنزعج من لقاءات نتانياهو مع مالك «يديعوت أحرونوت». وأضاف: «لكنّ ثمة احتمالاً آخر وهو أنه من الآن ستسعى الصحيفة الأيديولوجية أولاً وقبل كل شيء إلى نشر العقيدة اليمينية المتطرفة لأديلسون الذي يدعو إسرائيل إلى قصف إيران بالنووي لتدمير منشآتها النووية، ويرفض حل الدولتين ويدعم توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويهزأ من أي تحرك لتنشيط العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، و «مع عقيدة كهذه، ثمة ما يقلق بأن تروّج الصحيفة لمثل هذه المواقف، وتؤثر في الرأي العام الإسرائيلي».