قرر كبير مستشاري البيت الأبيض كارل روف وضع حد لرحلة ثلاثة عقود الى جانب الرئيس الأميركي جورج بوش. وأعلن أمس، عزمه على الاستقالة من منصبه آخر الشهر، تحت وطأة ضغوط الكونغرس وإشارات الى دوره في فضائح داخلية. ويستقيل روف في أدق مراحل رئاسة بوش الابن بعدما كان"مهندس"الانتصارات الانتخابية للرئيس، ما حوّله نجماً في أوساط الجمهوريين وكابوساً للديموقراطيين. ورافق روف 57 سنة بوش منذ أوائل السبعينات، في ولاية تكساس، وكان محرك العجلة الانتخابية التي أوصلته الى حاكمية الولاية ومن ثم البيت الأبيض. لكنه كشف في مقابلة مع صحيفة"وول ستريت جورنال"أمس، نيته الاستقالة آخر الشهر، وعزا ذلك الى أسباب"عائلية"ورغبته في تمضية الوقت مع زوجته وابنه في تكساس بعد ثماني سنوات أمضاها في واشنطن. واعترف البيت الأبيض بأن الاستقالة"خسارة كبيرة"، مثنياً على رصيد روف و"عبقريته"السياسية. وبدا روف الملقب ب"عقل بوش"، خلال المقابلة، واثقاً من موقع الرئيس، ومرتاحاً الى وضع الحزب الجمهوري، على رغم تدهور شعبيته وخسارته مجلسي النواب والشيوخ في انتخابات تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وتوقع أن يستعيد بوش زخمه في الاشهر ال18 الأخيرة من ولايته، ومع"تحسن الوضع في العراق ونجاح الاستراتيجية الجديدة هناك". وكانت لروف اليد الطولى في اعادة الجمهوريين الى البيت الأبيض بعد ثماني سنوات من تولي بيل كلينتون الرئاسة. كما كسر القاعدة التقليدية في 2002، وأهدى الجمهوريين بفضل استراتيجيته الانتخابية، الكونغرس والبيت الأبيض في سابقة، اذ كانت المرة الاولى منذ 1934 التي يسيطر الحزب الجمهوري فيها على القرار الاشتراعي والتنفيذي في آن معاً. واعتمد روف في استراتيجيته على ايقاظ القاعدة اليمينية للحزب واللعب على الانقسامات الاجتماعية بين الليبراليين والمحافظين، ما ساهم في حشد أصوات الانجيليين وانصار اليمين المحافظ ممن توافدوا الى أقلام الاقتراع وانتخبوا بوش في 2004، على رغم مأزق العراق وفضائح الفساد. غير أن هذه الاستراتيجية انقلبت على الجمهوريين ومهندسها في انتخابات الكونغرس، بعد نجاح الديموقراطيين في اعادة مد الجسور مع الناخب المتدين، وانتقاداتهم لرصيد بوش والحرب على العراق. وتراجعت أسهم روف في أوساط الجمهوريين بعد خسارتهم الكونغرس. وبدأت التسريبات عن احتمال استقالته في اطار اعادة ترتيب الأوراق الداخلية للبيت الأبيض، واستقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكبير موظفي البيت الابيض أندرو كارد وصقور آخرين في الادارة. وتكررت الدعوات الى اقالة روف من جانب الديموقراطيين، بعد ثبات تورطه في كشف اسم عميلة الاستخبارات فاليري بلايم ووقوفه وراء طرد مدعين عامين غير موالين لبوش سياسياً أواخر 2006. ورفض البيت الأبيض السماح للكونغرس باستجواب روف في جلسة عامة وتحت القسم، ما دفع اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الى خوض معركة مع البيت الأبيض، كان من المنتظر استكمالها بعد عودة المجلس من عطلته في أيلول سبتمبر المقبل. وبدا ان الكونغرس مصمم على اجبار روف على تقديم شهادته أو الاحتكام الى القضاء للبت في القضية، غير أن الاستقالة تقطع الطريق على ذلك. ورجحت تقارير إعلامية ان تسند مهمات روف الى أكثر من شخص، نظراً الى تشعبها وتعددها. ووصفته"وول ستريت جورنال"بأنه"المستشار الأقوى في البيت الأبيض في التاريخ الحديث"، اذ كان على مسافة قريبة من الرئيس على الصعيدين الشخصي والسياسي، وحظي بثقة الأخير الذي دافع عنه أمام هجوم الديموقراطيين وفي ظل فضيحتي بلايم وطرد المدعين. وانحصر دور روف في السياسة الداخلية أكثر منه في رسم السياسة الخارجية، وتولى ادارة العلاقة بين الادارة والكونغرس لفترة طويلة الى حين تولي جوش بولتون ادارة فريق بوش. ويعتمد بولتون استراتيجية مختلفة عن روف، أساسها التواصل مع الحزبين واظهار مرونة أكبر في التعاطي مع الخلافات بين قطبي السياسة الأميركية. وينتظر ان يكتب روف مؤلفاً عن تجربته الطويلة مع بوش.