ينتاب القلق اللبنانيين وأصدقاءهم، فبلاد الأرز من جديد على حافة الهاوية. لبنان الذي عانى بشدة من حرب الصيف الماضي يقع اليوم ضحية العمليات التفجيرية، يوماً ضد نائب ويوماً آخر ضد قوات"اليونيفيل"، يتعرض لأعمال عنف تزعزع استقراره يقوم بها متطرفون مثل"فتح الإسلام"، وتتلاعب به من جديد قوى وطموحات خارجية. لقد أتاحت لي الزيارة التي قمت بها إلى لبنان، فرصة للتعبير عن تضامن فرنسا ورئيس الجمهورية مع كل اللبنانيين، والإطلاع على خطورة الأزمة واتساع التنافر. في هذا البلد الذي لم تنقطع فيه قنوات الاتصال بين مختلف الفصائل ومختلف الطوائف حتى خلال أعوام الحرب، انقطعت اليوم خيوط الحوار. هناك كتلتان متواجدتان توقفتا عن التخاطب حول قضايا أساسية وملحة. يجب أن يستعيد لبنان دولته ومؤسساته. فالبرلمان معطل، والرئيس موضع اعتراض، وأكبر الطوائف عدداً ليست ممثلة في الحكومة. يجب العودة إلى حلقة اتصال مقبولة. فخلال أقل من مئة يوم، على لبنان أن ينتخب رئيساً جديداً للجمهورية. واختيار البرلمان لرئيس الدولة هو استحقاق جسيم، ومناسبة ليس للفرقة إنما لإعادة اللحمة. نحن نسمع اللبنانيين من كل صوب يعبّرون عن أمنية انتخاب رئيس لقصر بعبدا يمثل السلطة السياسية والأخلاقية، قادر على جمْع وتمثيل كل اللبنانيين بلا استثناء. مهما كانت أهمية الاستحقاق الرئاسي، إلا أنه لا يشكل العنصر الوحيد الذي يجب أن يتفاهم عليه أصدقاؤنا اللبنانيون وإلا فهم سيغرقون أكثر في هوة الأزمة. الكل يتطرق هنا وهناك الى آفاق عديدة: مسألة توسيع الحكومة لتضم الأحزاب والأطراف الغائبة عنها اليوم، إعداد قانون جديد للإنتخابات، انتخاب برلمان جديد. هذه نقاط احتكاك كثيرة يجب تجاوزها من دون تأخر في إطار عناصر تسوية شاملة. يجب أن يتمكن كل طرف من إنقاذ ما يعتبره أساسياً له مع تقديم التنازلات الضرورية للآخر. ثمة أمر يجب أن يكون واضحاً: على اللبنانيين، وعليهم وحدهم، العودة إلى الحوار ومواصلته حتى نهايته. فلقد عانت بلادهم طويلا من"حروب الآخرين"ولا يجوز أن يحل محلهم اليوم طرف خارجي أياً كان من أجل إعداد التسوية الضرورية. لكن ما يمكن - لا بل ما يجب - أن يقوم به بلد مثل فرنسا هو مساعدة اللبنانيين على إعادة ربط خطوط هذا الحوار. لهذا السبب، طرحنا المبادرة لدعوة ممثلين عن جميع القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني الذي بدأ عام 2006 للاجتماع بعد أسبوعين من الآن، في مدينة La Celle St Cloud"لا سل - سان كلو"، برفقة بعض شخصيات المجتمع المدني. ونظراً الى الآمال التي يمكن أن تثيرها مبادرة من هذا النوع، نود أن نوضح أنه ليس المقصود الدعوة لمؤتمر إقليمي أو دولي، على غرار العديد من المؤتمرات المشابهة التي عرفها لبنان، ولا استبدال الحوار الوطني. ما تقترحه فرنسا، وهذا طموح بحد ذاته، هو أن نجمع حول طاولة واحدة لاعبين سياسيين توقفوا عن الكلام مع بعضهم البعض، من دون جدول أعمال مقيد، للتحادث بحرية تامة من دون مواربات عن المسائل المركزية والملموسة ذات الصلة بتعزيز دولتهم ومؤسساتهم. إن فرنسا إذ تقترح استقبال ما يمكن أن يشكل مرحلة أولى، إنما تريد أن تكون صديقة لبنان وصديقة كل الطوائف اللبنانية. إننا متضامنون مع الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية والسلطات الشرعية في لبنان، ولقد لاحظت منذ 30 عاما أن الكل يكن لنا التقدير، وتعتبر الأطراف المختلفة في هذا البلد أن فرنسا لاعب حسَن النية، واننا نستعمل اللغة نفسها مع الجميع وبنفس الوضوح والصدق. الكل يعرف ويعترف بحرصنا على الرمز الذي يمثله لبنان وعلى أطر مؤسساته، لاسيما اتفاق التفاهم الوطني في الطائف. لو كان لأحد أن يخرج منتصراً من حالة الركود الحالي، فانما هو بلد الأرز في تعدديته ووحدته. وفي الوقت نفسه، يجب أن تشعر المنطقة بأسرها التي تعيش توترات كثيرة، بأنها أيضاً معنية. إن استئناف الحوار بين اللبنانيين وتعزيز الدولة اللبنانية ومؤسساتها، لا يهدفان إلى أن يحصلا على حساب"الآخرين". بل على العكس فتعزيز الدول سيكون لفائدة منطقة الشرق الأوسط ولحل النزاعات فيها. ونظراً لما يجسده"لبنان - الرسالة"، كنموذج للتعددية والتعايش بين الطوائف والأديان، فاننا جميعاً معنيون بهذا الحوار الذي لا بد منه. * وزير الخارجية الفرنسي