صورة السياسي متحدثاً على الشاشة الصغيرة خطيرة بل إنها تشبه الهاتف المصور الذي ينقل مع الحديث وجه المتكلم، انفعالاته، وحتى الى حد كبير فرحه أو خيبته وغضبه. السياسي تقوم شخصيته في جانب أساسي منها على تمويه مشاعره الداخلية والاحتفاظ دوماً بصورة رجل المجتمع، العام وغير المتحيز الى فئة أو جماعة بعينها، لكن صورته على الشاشة الصغيرة لا تضمن له ذلك في كل الحالات، إذ هي تخونه في بعضها، فتكشفه متلبساً بنقيض ما يقول ويصرح للمشاهدين. هي حالة يتمكن من الإفلات منها بعض"المحترفين"أولئك الذين أتقنوا فن التعامل مع الكاميرا وعرفوا كيفية إدارة الصورة في المقابلات المصورة، خصوصاً تلك التي تقدم في بث حي ومباشر لا يفسح مساحة واسعة للمناورة والاستعداد المسبق. أما غير المحترفين، أي أولئك الذين لا يتمكنون من التمويه، ولا تسمح لهم قدراتهم بفعله، فإن وجودهم على الشاشة الصغيرة يبدو غالباً مثيراً للشفقة إذ يضبطهم المشاهد وهم في حال معاكسة، ملامح وصورة، لتلك التي تتحدث بها كلماتهم، الأمر الذي يجعل ظهورهم على الشاشة في مقابلة تلفزيونية نوعاً من العقوبة لهم يدفعهم في بعض الأحيان الى الشعور بالندم وصب اللعنات على التلفزيون الذي يفضح، بعكس الإذاعة التي تخاطب الأذن وتحجب الوجوه بملامحها وانفعالاتها. قبل أيام شاهدت أحد المتعصبين على شاشة فضائية عربية تهتم بپ"الحوار". كان الرجل مستنفراً للهجوم على الشاعر محمود درويش جملة وتفصيلا. يأتيه محاوره من هنا فيطلع باتهام درويش من هناك، ولا يتوقف عن تقديم الاتهامات حتى حين كان الحديث يذهب في اتجاهات أخرى لا تخص شاعرنا. شخصياً أشفقت على الرجل الذي كان يلح بمناسبة وبلا مناسبة على أهمية التمسك بثقافة المقاومة، بحسب"مفهومه"لها. المفهوم الذي حاولت طيلة المقابلة أن أعرفه وأفهمه، ففشلت، أو بالأدق فشل في إيصال الرسالة لأنه في الحقيقة لا يملك أي فكرة متماسكة لذلك الذي يسميه"عطّال على بطّال"ثقافة المقاومة. الصورة ملعونة. إنها نوع من جهاز كشف الكذب ولكن خارج الغرف المغلقة... على المكشوف وفي الهواء الطلق وأمام عيون الملايين.