يستمرُ الجدال حول عزم الفنان السوري فراس إبراهيم إنتاج مسلسل تلفزيوني عن حياة الشاعر الراحل محمود درويش. وهو جدال يبدو في بعض صوره عاصفاً، ويحمل في جمله وعباراته مفاهيم خاطئة ومغلوطة. لا أحد يمكنه منطقياً (ولا قانونياً) رفض فكرة تحقيق عمل درامي عن الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، على أن هذه البديهية لا تنفي التحفظات الكثيرة التي تنشأ مع فكرة عمل كهذا. نقول تحفظات، ونحن نعرف أن حياة الشاعر الراحل محمود درويش ليست بالتأكيد «حدوتة» ترويها الشاشة الصغيرة لتزجية أوقات مشاهديها في سهرات رمضان المقبل أو بعده. الحكاية هنا تتعلّق بشخصية إبداعية لها ظلالها السياسية، تماماً مثلما لها أزمتها الوجودية، وما يتشابك مع هذه وتلك من تفاصيل وجزئيات لا نعتقد أن كتابة تلفزيونية قادرة على الإحاطة بها والتعبير عنها استناداً فقط للموهبة الكتابية أو الخبرة المهنية. الأمر هنا على علاقة مباشرة بالتماس المباشر مع شخصية الراحل، والقدرة على التقاط حساسياته الخاصة في النظر إلى الأشياء والوقائع، والكيفيات التي ميّزت تجربته الشعرية والحياتية معاً، بما في ذلك سنوات طفولته البعيدة في «الجديدة» وحيفا، ومجالات عمله الأدبي والسياسي التي لا يجوز القفز عنها، أو المرور السريع على عناوين رئيسة فيها. ليس ما نقوله مجرّد مخاوف عابرة، بل نزعم أنها مخاوف جدّية نراها قادمة سواء كتب المسلسل الكاتب الموهوب حسن م. يوسف، أو غيره ، فالأمر لا يتعلّق بالكاتب نفسه بمقدار تعلُقه بموقعه في حياة الشاعر الراحل قرباً أو بعداً، وهي حالة لا نراها موجودة مع حسن. يحتاج مسلسل درامي عن حياة محمود درويش قبل أي شيء آخر تكوين صورة بانورامية لا نعتقد أنها يمكن أن تتحقق في معزل عن عائلته هناك في فلسطين، وأيضا عن مجموعة كبرى من الأصدقاء الأقرب تبدأ من حيفا والناصرة، وتمرُ ببيروت وتونس وغيرها من العواصم. هل هي دعوة لوقف العمل في المسلسل ؟ هي بالأدق دعوة لأخذ الأمر على محمل الجد فنياً وثقافياً وسياسياً، وإلا سيقع المحذور.