كانت الأمور السياسية والعسكرية فيما مضى جلية: فمصدر التهديد كان واضحاً ومعلناً وهو الاتحاد السوفياتي. وكنا نعد العدة لنزاع واحد وسريع على حدودنا. وأما اليوم، فعوامل اضطراب الأمن واختلاله كثيرة وتعصى الحصر. وقد يصح القول اننا في دوامة تقود الى تعاظم الاضطراب وانتشاره. والحق أن الاوروبيين أقصوا فكرة الحرب داخل أوروبا، ورعى الاتحاد الأوروبي، وبنّاؤه، اقصاء الحرب. ولكن الحرب لم تتبدر، والمنازعات تسرح وتمرح في أرجاء العالم ولعل هجمات 11 ايلول سبتمبر 2001 مثال على ذلك. وحملتنا الهجمات هذه على النظر ملياً في طبيعة الأخطار الارهابية. فالانتشار النووي في ايران وكوريا الشمالية صنف من التهديدات المتوقعة، وعملية السلام في الشرق الأوسط تتردى وتتعسر منذ سنين. وتعرض الحرب في العراق التوازن العالمي الى الضعف والهشاشة. وفي غير بلد، وخصوصاً بلدان آسيا الهند، الصين، اليابان، تتعاظم حصة النفقات العسكرية من الموازنات العامة. وينبغي ألا تحمل العلاقات الدولية على محمل منزه عن الأهواء والاطماع، وعلى العسكريين الاعداد لأسوأ الاحتمالات، وتمكين القادة السياسيين من معالجة تأزم غير متوقع قد يطرأ على الوضع الدولي أو قد ينجم عن مفاجأة استراتيجية. وتاريخ البشرية حافل بأشباه المفاجآت والحوادث غير المتوقعة هذه. ولا ريب في أن أوروبا ليست بمنأى منها على الدوام. وأرى الحق فيما ذهب اليه وزير دفاع أميركي سابق:"في ظروف يصعب التكهن بمآلاتها، ينبغي توقع المفاجأة وانتظار المباغتة غير المحسوبة"، والى اليوم، انخرطنا في عمليات حفظ السلام، في البلقان وأفغانستان وافريقيا ولبنان وغيرها. وأسهمت العمليات هذه في تعليق النزاعات، والحؤول بينها وبين التفاقم. وأود التحذير من حسبان أننا استقرينا على ضرب ثانوي من العمل العسكري، فهذا ما توهم به، خطأ، هذه العمليات. فمهمة قيادات الاركان هي إعداد الجيوش لجبه نزاعات متعاظمة القسوة والاتساع. ويعد الجيش الفرنسي، اليوم، 250 ألف جندي، 12 ألفاً منهم منتشرون على 29 مسرح عمليات، 5 مسارح منها مهمة. ويقضي قانون البرمجة العسكري أن ننشر 20 ألفاً من جنودنا. ويقضي كذلك أن نتولى إعداد قوة برية من 50 ألفاً، من غير رديف احتياطي في حال اندلاع النزاع، تساندها قوة جوية وبحرية مختلطة، وقوة بحرية وبرية مختلطة، وتواكبها غواصات نووية هجومية وقوة جوية من 100 طائرة مقاتلة. وعلى سبيل المقارنة، أذكر بأن البريطانيين أرسلوا الى العراق، في المرحلة الأولى من الحرب، 45 ألف جندي. وأرسل الأميركيون 250 ألفاً. والارقام هذه قرينة على جاهزية فرنسية معقولة، أي ان في وسعنا ارسال قوات جديدة اذا دعت الحاجة. ولكننا نشكو نواقص نحاول تعويضها من طريق استئجار طائرات مدنية أو سفن شحن، شأن جيوش العالم كلها. ولذا فطائرات A400M أو طوافات N490 للنقل ضرورة ملحة. وتعاني نظم مخابراتنا وقيادتنا، جراء كثرة مسارح العمليات، بعض العراقيل. فآلات التقاطنا قريبة من الاختناق والاشباع. ولا يترتب على بعض مهماتنا، مثل مهمتنا في افغانستان، البقاء المزمن، على قول رئيس الجمهورية، والى اليوم، نحن جزء من عمل يتولى حلف شمال الأطلسي الناتو قيادته. وندبتنا القيادة الى تولي الأمن في منطقة كابول. وقد ننسحب شرط اقتدار الجيش الافغاني، وتأهله لحفظ الأمن على أراضيه. وقرر رئيس الدولة مد القوة الدولية ايساف بوسائل اضافية، و 150 رجلاً يتولون تأهيل الجيش الافغاني. وأرجو أن ننجز عند حلول صيف 2008 خطوات واضحة الى أمام. والحال في شاطئ العاج مختلفة. فقوة"ليكورن"هناك جزء من قوة الأممالمتحدة. والى هذا، تتولى قوتنا أمن رعايانا في شاطئ العاج. وبموجب اتفاق وقعه، في 4 آذار مارس بأواغادوغو، الرئيس لوران غباغبو وزعيم التمرد السابق ورئيس الحكومة الحالي غيوم سورو، ابتداء البلد عملية مصالحة وطنية علينا مواكبتها. وفي الاثناء قلصنا قوتنا الى 2900 جندي، وننوي مجاراة الأحوال الآتية على نحو يناسب أطوارها. ولا ريب في أن زيادة نفقاتنا الدفاعية الى 2 في المئة من الناتج الاجمالي، وهي تبلغ اليوم 1.67 في المئة على ما يقضي معيار"الناتو"، ييسر التزامنا قانون البرمجة العسكرية في الاعوام 2009 - 2014 القادمة. وليس في هذه الزيادة مبالغة، اذا شئنا الاضطلاع بدور دولي بارز، على مقتضى تاريخنا ومكانتنا تحضوا دائماً في مجلس أمن منظمة الأممالمتحدة عاملاً محركاً في السياسة الأوروبية للأمن والدفاع. وعلى هذا، أدرجنا في مثال الجيش المتوقع في 2015 بناء حاملة طائرات ثانية، إذا وأتت الظروف الاقتصادية. ويضطرنا هذا الى تنسيق بناء حاملة الطائرات هذه مع أصدقائنا البريطانيين، على رغم بعض العثرات. عن جان - لوي جورجيلان قائد اركان الجيوش الفرنسية،"ليكسبريس"الفرنسية 11/7/2007