أخذت الدراما التلفزيونية العراقية منحىً بدا واضحاً في اكثر من عمل أنتج أخيراً، أو في طور الانتاج، تمثل في استعادة شخصيات من تاريخ العراق السياسي والثقافي والاجتماعي الحديث، وممن لعبوا أدواراً بارزة في هذا التاريخ. ويجد الكاتب حامد المالكي والمخرج أركان جهاد في شخصية الشاعر معروف الرصافي 1875 - 1945 ما يعبّر عن مواقف واضحة، بعضها ينسحب على الحاضر، ويجلو مسار الشخصية في ما كان لها من أدوار فكرية وسياسية واجتماعية بارزة. وقد اجتمع في هذا العمل أنتج لحساب قناة"السومرية"العراقية، وصور في دمشق مجموعة من الممثلين العراقيين مثل محسن العزاوي، وسليمة خضير، ونسرين عبد الرحمن، وآلاء حسين، وسعد محسن، وسعد مجيد، وأياد الهلالي، ومحمد طعمة التميمي... إضافة الى عدد من الممثلين السوريين، مثل حسام تحسين بك وإيفلين ونسرين. أما شخصية الرصافي فتشارك فيها زياد الهلالي الذي قام بدور الرصافي شاباً، ليكمل المراحل العمرية الأخرى من حياة هذا الشاعر الفنان جواد الشكرجي الذي قال ل"الحياة"إن العمل"يتناول المراحل المهمة في حياة الرصافي الشاعر والانسان. وتتزامن مع مراحل حياته هذه، سيرة تاريخية تمثل تاريخ العراق الحديث بكل ما شهد من تيارات وصراعات. إذ عاش الشاعر 70 عاماً من هذا التاريخ، تمثل أهم سنوات العراق الحديث بدأت مع الحكم العثماني، ثم الاحتلال البريطاني، ثم الحكم الملكي.. فضلاً عن حربين عالميتين، وانتفاضات، وثورات وقف الرصافي منها موقف المناصر، أبرزها: ثورة العشرين، وانقلاب بكر صدقي، وحركة مايس التي قادها رشيد عالي الكيلاني. الشكرجي، الذي بدا مشبعاً بروح الشخصية التي استعاد أدوارها المهمة في السياسة والشعر، قال:"إذا تمعنا جيداً في مواقف الشاعر سنجد الموقف الوطني المنسجم والملتزم بقضايا وطنه وشعبه. وقد عبر شاعرنا عن هذا الموقف بشجاعة وجرأة، رافضاً كل أشكال الاستعمار والاحتلال، مستهجناً الكذب والدجل، ومتصدياً لمحاولات التلاعب بمصير العراق، إضافة الى تصديه لعملاء الاحتلال البريطاني". واستعاد الممثل العراقي المشاهد التي مثل فيها شخصية الشاعر في المسلسل، مؤكداً أنه، كإنسان ومثقف وممثل، في استعادته حياة هذه الشخصية التي يصفها بالتاريخية، لم يقف على موقف انتهازي واحد للشاعر في مراحل حياته..."بل وجدت فيه صوتاً حراً وثورة دائمة، وإنساناً منتمياً بكل جوارحه الى الانسان العراقي، والانسان العربي.. وقد توقفت، في تتبع مواقفه هذه، عند اكثر من محطة في حياته: من أسطنبول ودمشق، الى بيروت والقدس.. وظلت بغداد مركز الحركة في حياته، ومنطلق التفاعل". ويجد أنه بينما كان يؤدي دور الشاعر في هذه المراحل، بدا كمن يدين الحاضر الماثل في وطنه.."ذلك أنني أعرف مواقف الشاعر التي ستكون لها دلالات كبيرة عند المشاهد في وقتنا الحاضر من خلال ما يعانيه العراق والعراقيون في واقع الاحتلال الاميركي من ظلم وتقتيل واستباحة وطنهم الذي انطلقت منه أهم الحضارات والثقافات". وأشار الى ان المسلسل كان قد أنجز نصاً العام 2000،"ولكن شاء القدر أن لا ينتج إلاّ هذه السنة، وكأنه كتب فيها"، رابطاً بين مواقف الشاعر والأوضاع التي استجدت،"وكأن التاريخ يعيد نفسه".