خلّفت حرب 1967 أثرها في المجتمع الفلسطيني. فهذه الحرب حددت الهوية الفلسطينية بعد انسلاخ الفلسطينيين عن المصريين والاردنيين. وولدت القومية الفلسطينية من الغضب والخسارة الهائلة والفظيعة. ويوم اندلاع هذه الحرب كانت نظمية، الفلسطينية، تنتظر ولادة طفلها. وبعدما اتضح لعائلة نظمية أن ما يذاع على الراديو عن انتصار العرب لا يمت الى الواقع بصلة، ومع وصول الجنود اليهود الى المخيم، فرت نظمية وأخوها من مخيم جلازون للاجئين، ووضعت في طريق الهرب طفلها، عمر النخلة. وهذا الطفل أصبح اليوم رجلاً ورب أسرة، وحياته هي مرآة التجربة الفلسطينية. والمتأمل فيها يفهم الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني، ويدرك لماذا لا تزال حرب وقعت قبل أربعين عاماً ترخي بثقلها على الشرق الاوسط. واليوم، عمر في عقده الخامس، شأن القومية الفلسطينية. وهو لحام يشتري بضاعة متجره من اليهود، وعدد من هؤلاء هم أصدقاؤه. ويقول عمر أنه قلق على أصدقائه اليهود عندما كان"حزب الله"يقصف حيفا، ودعاهم إلى المكوث في منزله بمخيم اللاجئين. وان ينقلب اليهود لاجئين مثله، بمنزله، فكرة دغدغت مخيلة عمر. ولا يرى عمر اختلافاً بين الفلسطينيين واليهود. فالذكاء، وتقدير العلم، والحس الفكاهي، كلها تجمع بينهم. ولكن من يصغي الى عمر يدرك أن القاسم المشترك بين اليهود والفلسطينيين هو شعور الطرفين بأنهما ضحية ما لا يحتمل. فالفلسطينيون فقدوا أرضهم. وفقد اليهود أرواحهم في المحرقة. وهذا الشعور بالظلم يعمي بصيرة اليهود والفلسطينيين، فيعجز كلاهما عن رؤية معاناة الآخر، وإدراك مأساة حياته. وغالباً ما يخلط الفلسطينيون بين النكبة انشاء دولة اسرائيل والنكسة حرب 1967. ولا يميزون الواحدة من الثانية. فعندما سألت عمر عن الحرب التي ولد في أثنائها، استفاض في الكلام على حرب 1948، وكأن الحادثتين واحدة. وفي متجره، يعلق عمر صورة قرية بيت نبالة، مسقط أسرته. ويقول أن حرب 1967 حملت الأمل في العودة إلى أرضهم، وأن هذا الأمل تبدد إلى الأبد مع خسارة الحرب. وبعد النكسة، ادرك الفلسطينيون ان الدول العربية عاجزة عن اعادة أرضهم اليهم. فحطوا أملهم في ياسر عرفات، المهندس الفلسطيني ومؤسس حركة"فتح". ولكن عمر وغيره من الشباب الفلسطيني، نفد صبرهم من انتظار مخلصهم. فانتفضوا في 1987. ويقول اسماعيل، صديق عمر، انه قضى خمسة أعوام في السجن بتهمة إلقاء الحجارة وقنابل المولوتوف على الاسرائيليين. والحق ان الدخول الى السجن هو شعيرة على كل فتى فلسطيني أداؤها. وهو في مثابة معمودية تنقله من الطفولة الى الرشد. ووشم يوسف، صديق عمر، خريطة فلسطين على كتفه. وهو يقول:"كل ما أعرفه ان الاسرائيليين طردونا من منزلنا وقريتنا، ونحن، اليوم، نراقبهم من مخيمنا، ونراهم يعيشون أعلى التلة في منازل جميلة تحوطها برك سباحة وأزهار". فالهوية الفلسطينية تتغذى من الغضب من انتشار المستوطنات في الاراضي المحتلة. وفي المخيمات الفلسطينيةبالضفة الغربية وقطاع غزة شرخ بين الاجيال. فمن هم فوق الاربعين لا يزالون أوفياء لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، خليفة عرفات، في حين ينزع من هم أصغر سناً الى مساندة"حماس"و"الجهاد الاسلامي". فشباب، اليوم، فقد الامل في تغير الاوضاع. وهو يفضل تفجير حياته وقتل عدوه. وفي المخيمات، يكثر المتطوعون التواقون الى الشهادة. ويُقبل شباب الضفة الغربية على شراء افلام قصيرة تظهر عمليات المتمردين العراقيين ضد القوات الاميركية، وتسجيلات أغانٍ تحتفي بصمود"حزب الله"في مواجهة اسرائيل. وغالباً ما تبث قنوات التلفزيون المحلية كلمة"الاستشهاديين"الاخيرة. ولا يخفي عمر اعجابه بصدق الشباب الاسلامي. ولكنه يشك في انعقاد ثمرة المقاومة، وافضائها الى اتفاق عادل مع اسرائيل. فهذه المقاومة أدت الى تقاتل الاخوة في غزة. وحريّ بالفلسطينيين انهاء خلافاتهم الداخلية قبل حل مشكلاتهم مع اسرائيل. وبعد أربعين عاماً على النكسة، لا يزال عمر متمسكاً بحلم العودة الى قريته. ولكن، مخيم اللاجئين، مع الأسف، هو مسقط الرأس الوحيد الذي عرفه عمر وأولاده. عن تيم ماكجيرك، "تايم" الاميركية، 11/6/2007