يسود الشارع الفلسطيني ذهول شديد وصل الى حد الصدمة من شدة التشابه بين المشاهد التي يتابعها على شاشات التلفزيون والمنقولة من الاراضي العراقية، وتلك التي يعيشها في الاراضي الفلسطينية المحتلة من حصار وتفجير للمنازل وعمليات اعتقال وحشية، وفي مقدم ذلك كله عمليات القتل التي تطاول الاطفال والفتية. وهمست عجوز فلسطينية لم تتوقف عن متابعة ذلك الذي يجري في العراق وهي تشاهد جنود التحالف، في اذن حفيدها "والله يا حبيبي هؤلاء اسرائيليون". وبعد مرور عام على الاجتياح الكبير لمناطق السلطة الفلسطينية، كما لو كان شريط الاحداث يعيد نفسه، اضحت مدينة طولكرم ومخيمها المنطقة التالية بعد جنين ومخيمها في الاسبوع الماضي مسرحاً لحملات الاعتقال الجماعية واجراءات القمع الاحتلالية، فيما تواصلت سياسة هدم المنازل في غير منطقة في الضفة الغربية. شيع الفلسطينيون في مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين جثمان الفتى عمر مطر 14 عاماً الذي توفي متأثراً بجروح أصيب بها برصاص قوات الاحتلال الاسرائيلي الجمعة الماضي ادت الى دخوله في حالة موت سريري قبل ان يفارق الحياة فجر امس. وشهد محيط المخيم الذي يحيط به حاجز عسكري اسرائيلي يفصل مدينة القدس عن رام الله مواجهات حامية بين شبان الحجارة والجنود الاسرائيليين. وفي مستشفى رام الله الذي خرج منه جثمان الشهيد مطر، ما زال الفتى رأفت عرار 16 عاماً يصارع الموت بعد اصابته بجروح خطرة اول من امس في قريته، قراوة بني زيد، قضاء رام الله جراء اطلاق الجنود الاسرائيليين النار عليه واصابته برصاصة في البطن. وفي طولكرم ومخيمها شمال الضفة الغربية، جددت قوات الجيش الاسرائيلي حملتها العسكرية ضد المواطنين الفلسطينيين في عملية اجتياح هي الاوسع منذ الاجتياح الذي طاولها في نفس الوقت تقريبا من العام الماضي في ما عرف بعملية "السور الواقي" العسكرية الاسرائيلية. وافاد شهود عيان ان عشرات الدبابات وناقلات الجند اقتحمت المدينة ومخيمها في الرابعة من فجر الاربعاء تحت وابل كثيف من الرصاص وبحماية من مروحيات "اباتشي"، وأرغمت الذكور من سكان المخيم الذين تراوح اعمارهم بين 14 و40 عاماً على التجمع في مباني المدارس التابعة لوكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اونروا رافعي الأيدي وأرغمتهم على خلع ملابسهم، وفتشتهم. واحتجز الجنود ما يزيد عن 2000 فلسطيني في ساحات المدارس المذكورة ساعات عدة قبل ان يجبروا العشرات منهم على التوجه الى مخيم نور شمس القريب بدل العودة الى منازلهم في مخيم طولكرم، وذلك في اجراء وصفه بعض الجنود بأنه "ترحيل موقت" ريثما تنتهي قواته من عملياتها في المخيم. واعتقل حتى الآن نحو عشرة شبان نقلوا الى جهة غير معلومة بينما ما زال الباقون محتجزين في مجمع مدارس الوكالة. ومنع الجنود الاسرائيليون الذين فرضوا منع التجول على المدينة ومخيمها الصحافيين من دخول المنطقة بحجة انها منطقة عسكرية مغلقة، فيما شرعوا في عمليات تفتيش ودهم لعشرات المنازل التي اكد اصحابها انها تمت بشكل وحشي وهمجي وأدت الى إحداث أضرار بالغة في الممتلكات. وسد الجنود كافة المداخل المؤدية الى المخيم بالسواتر الترابية والاسلاك الشائكة للدلالة على نيتهم المكوث مدة طويلة داخل المخيم مثلما كانت الحال في مخيم جنين الاسبوع الماضي. من جهة اخرى، اعتقل الجيش الاسرائيلي في الخليل جنوبالضفة الغربية مسؤولاً عسكرياً محلياً في حركة "حماس" مع أحد معاونيه. وفي الوقت ذاته، واصلت الشرطة الاسرائيلية عمليات هدم منازل المواطنين الفلسطينيين، إذ دمرت امس منزلين يعودان لعائلتين فلسطينيتين في حي بيت حنينا شمال القدسالمحتلة وثالثاً في مدينة الخليل يملكه عمر حمدان ابو سنينة العضو في مجموعة مسلحة قريبة من "فتح"، فيما تم تسليم شقيقين في بلدة سينيريا قضاء قلقيلية اخطارات بأن منزليهما سيهدمان في الايام القليلة المقبلة. وبهدم المنزلين في بيت حنينا، ارتفع عدد المنازل التي دمّرت في مدينة القدس وضواحيها منذ مطلع العام االجاري الى 25 منزلاً، الامر الذي يشير الى تكثيف عمليات الهدم في هذه المنطقة خصوصا في المواقع المحاذية للمستوطنات اليهودية فيها. وعلى الصعيد ذاته، وفيما يشبه لعبة الفأر والقط، ما زالت اسرائيل تفرض حصارها المشدد على الاراضي الفلسطينية وتمنع من خلاله الفلسطينيين من التحرك والتنقل بين المدن والقرى والمخيمات، فيما لم يوقف الفلسطينيون محاولاتهم للالتفاف على الحواجز عبر طرق وعرة يعرّضون خلالها حياتهم للخطر من اجل الوصول الى اماكن عملهم ومدارسهم وتسيير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، ليتم اعتقال المئات منهم يومياً اما على الحواجز أو الطرق الترابية. سياسياً، وفي الوقت الذي احتدم فيه الجدل الاسرائيلي الداخلي بشأن اقتراب الموعد الذي سترغم فيه اسرائيل على دفع استحقاقاتها الواردة في خطة "خريطة الطريق" التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية وسبل التملص من هذه الاستحقاقات، علقت السلطة الفلسطينية آمالاً واسعة على ما ستتمخض عنه اجتماعات اللجنة الرباعية التي سيعقد اعضاؤها جلسة لهم في بروكسيل اليوم الخميس، في اطار الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الاميركي كولن باول سعياً لتأمين مساندة اوروبية وتركية للحرب الدائرة ضد العراق. وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي نبيل شعث ان السلطة الفلسطينية طالبت اطراف اللجنة الرباعية بالاعلان بوضوح عن البدء في تنفيذ "خريطة الطريق" وعرض آليات مراقبة تنفيذها في هذا الاجتماع. وقال شعث في تصريحات صحافية وفي رده على سؤال "آن الاوان ونعتقد ان الفرصة متاحة في بروكسيل عند اجتماع الرباعية للاعلان عن موقف يوضح الامور تماماً للبدء بتنفيذ الخطة وآليات الرقابة على التنفيذ".