منذ أكثر من أربعة أشهر، يسعى الشاب أحمد الصادق من نابلس، إلى الهجرة الى الولاياتالمتحدة أو السعودية. فهو كموظف حكومي فقد راتبه الذي كان يعتاش منه وأسرته المكونة من ابنين في الثانية والثالثة من عمرهما وزوجته، ووالدته المسنة. ويقول الصادق:"بات الوضع لا يطاق. إضافة إلى ذلك الفلتان الأمني وبوادر الحرب الأهلية. هذه الأجواء لا تبعث على التفاؤل بمستقبل أفضل، لذا فأنا سعيد بأنني حصلت على التأشيرة وسأغادر إلى شيكاغو، بعد شهر أو أكثر بقليل". ويضيف:"قد أكون مقبلاً على مستقبل مجهول، لكنني لا أعتقد أنه سيكون أكثر قتامة مما نعيشه وسنعيشه في فلسطين. يعز عليّ أن أترك بلدي، لكن ما يحصل منذ عام، يجبرنا على ذلك، فوطنك في النهاية حيث يتوافر لك عيش كريم". ويشير، كمن يحاول إقناع نفسه، الى ان"الرسول نفسه هاجر من مكة حينما لاحظ أن الظروف غير مناسبة". والصادق، ليس سوى واحد من آلاف الفلسطينيين، الذين انضموا طواعية إلى ما بات يعرف في الشارع باسم"حزب التفكير في الهجرة"، الذي يرى مراقبون أنه بات الأقوى فلسطينياً. مصادر في وزارة الخارجية الفلسطينية تتحدث عن قرابة خمسين ألف طلب هجرة، وهي الأرقام المثبتة عبر السفارات والممثليات العاملة في الأراضي الفلسطينية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن للكثير من هؤلاء أسراً سترافقهم، فنحن نتحدث عن رقم كبير، خصوصاً اذا اضفنا اليه من يهاجرون إلى دول لا تحتاج إلى تأشيرات، والفلسطينيين من حَمَلة الجوازات الأجنبية. وتشير المصادر إلى أن غالبية الراغبين في الهجرة هم من الشباب، في حين أكد استطلاع للرأي أجرته"جامعة النجاح الوطنية"في نابلس، أن ثلث طلاب الجامعة يرغبون في الهجرة من الأراضي الفلسطينية، حال تخرجهم. ويؤكد وكيل وزارة الخارجية أحمد صبح من جهته"ان ما يحدث في الشارع الفلسطيني من هجرة لا يقتصر فقط على هجرة العقول والكفاءات الفلسطينية، وإنما أيضاً على هجرة جزء من القطاع الخاص". ويقسم صبح الهجرة من فلسطين إلى أربعة أنواع، أولها هجرة الكوادر المتقدمة في السلطة الفلسطينية كموظفين عامين من أصحاب الكفاءات والخبرات والشهادات، وثانيها منع إسرائيل حَمَلة الجوازات الأجنبية وبخاصة الأميركية والأوروبية من العودة. أما القسم الثالث، فيتمثل بحسب صبح في الكفاءات التي جيء بها للتدريب هم في الغالب فلسطينيون يقطنون في الخارج وغادرت من دون رجعة. في حين أن القسم الرابع، الذي سماه"الهجرة النوعية العامة"، يتمحور حول فئة تبحث عن أمان اقتصادي وأمن شخصي،"وتبدأ بالدراسة والرغبة بالحصول على شهادة جامعية، مروراً بظروف عمل أفضل، أو أحياناً الرغبة في الاستثمار في أجواء مستقرة، فبعض الدول تطالب بتأمين رأس مال لا يقل عن 100 ألف دولار، لتسمح لهم بالهجرة". ويشدد صبح على أن سبب الهجرة الفلسطينية نابع من الضائقة الاقتصادية الحالية، وبسبب تقليص مساحات العمل لدى الكوادر وعدم توافر رأس المال، رافضاً في الوقت ذاته اعتبار أن الدول المستقبلة للمهاجرين تعد مؤامرة لتفريغ فلسطين من مواطنيها،"فقوانين الهجرة لم تتغير على الإطلاق وهذا ما تأكدنا منه في الوزارة". ويشدد صبح على أن حل مشكلة الهجرة الفلسطينية إلى الخارج"يتمثل في الاستقرار السياسي الوطني الداخلي، ونزع الذرائع من الاحتلال الإسرائيلي، وفك العزلة الدولية المفروضة، وإنهاء الحصار الظالم". ويضاف إلى العوامل الداخلية، العوامل الإسرائيلية المتجددة، سواء عبر تشديد الخناق على الفلسطينيين، باجتياح المدن، والحواجز العسكرية، وبوابات جدار الفصل العنصري، أو عبر الخطط الهادفة إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية، وبخاصة الضفة الغربية. وباتت شبكة الإنترنت، وإعلانات الهجرة، لا سيما تلك الخاصة بالولاياتالمتحدة، وفرصة الفوز بالقرعة، أحد مصادر أحلام الشباب الفلسطيني بالهجرة، تغذيها بعض المؤسسات العاملة في هذا الإطار، من خارج فلسطين في الغالب، والتي تتصل ببعض مقدمي الطلبات عبر الشبكة العنكبوتية، لتشجعهم على دفع مبلغ مالي يزيد فرصهم التي ستبقى بنسبة 1 لكل 10 آلاف بدلاً من 1 لكل 50 ألفاً. وبدأ البعض يتحدث عن سماسرة بدأوا يعملون في تهريب الشبان إلى أوروبا، عبر تركيا، وما شابه، مقابل مبلغ من المال، وإن كانت الحكايات لا تزال قليلة في هذا الاتجاه، وغير مؤكدة، لكن فيها مؤشرات خطيرة على بروز مهن جديدة تقوم على استغلال حلم الشباب بالهجرة من الأراضي الفلسطينية، وتضللهم في الكثير من الأحيان.