يجلس مجدي الريماوي ساعات أمام الشاشة، مستمتعاً مع صغيريه، يتابع مغامرات القط والفأر الأكثر شهرة في العالم، عبر"سبيس تون"، أو"إم بي سي3"، وأحياناً على القناتين معاً، في وقت تعد فيه زوجته"البوب كورن"، قبل أن تنضم إلى سهرة عائلية شبه يومية مع"توم وجيري". الريماوي، ويعمل موظفاً حكومياً، يؤكد أنه يستمتع بمغامرات"توم وجيري"، فهو يعيش عشرات الدقائق من الضحك المتواصل، على الفأر والقط اللذين يعيشان معه منذ أكثر منذ عقدين، أي منذ كان طفلاً في عمر أولاده. وتنقسم العائلة الفلسطينية، كما ملايين العائلات في العالم، بين مؤيد للفأر، ومعجب بذكائه، وبين معارض له ولمقالبه"غير البريئة"في الكثير من الأحيان، وبين مؤيد لقط"ساذج"، لا يقوى على استغلال قوته في أحيان كثيرة، من باب التعاطف، أو الحنق من هذا القط الأبله، المغرور بعضلاته، التي غالباً ما تخلو من أي تفكير منهجي يرافقها، وبالتالي تكون العواقب وخيمة. والريماوي، وابنه الأكبر 6 سنوات يتعاطفان مع القط، بسبب"المتاعب التي يسببها له الفأر، وأحياناً بطريقة مستفزة"، في حين تبدي زوجته والابن الأصغر 4 سنوات إعجابهما بذكاء"جيري"، وهو الإعجاب الذي يستحوذ على الملايين في العالم. فشعبية"جيري"أكبر بكثير من شعبية"توم"وفق بعض الدراسات. واستغلت غالبية الشركات التجارية في العالم، في شكل قانوني أو من دونه، الشعبية الطاغية لپ"توم وجيري"، فأخذت تضعهما في كل مكان: الملابس بأنواعها وتنوعاتها، القبعات، الأحذية، الساعات، أغطية الأسرّة، ورق الجدران، اللوحات الحائطية، الصحون والملاعق، أغطية الهواتف النقالة، والأقلام، وأدوات القرطاسية... والقائمة تطول، وهو ما ينتشر في فلسطين، كما غيرها، بل إن هناك مجلة بالعربية تحمل اسميهما ورسميهما، وحكايات مبتكرة عنهما تلقى الرواج بين أطفال فلسطين، الذين يهربون من واقعهم الصعب إلى أحضان هاتين الشخصيتين الشهيرتين. وفي الوقت الذي نجحت خطوة تحويل توم وجيري إلى لعبة في"البلاي ستايشن"، كما حال الكثير من أفلام الرسوم المتحركة الناجحة، لم تحظ سلسلة"أبناء توم وجيري"بشعبية تذكر في الوطن العربي، بل إن الكثير من الأطفال في فلسطين يصفونها بالمملة، وغير المشوقة. وبعيداً من المتعة، والأرباح التجارية التي يحققها توم وجيري، ثمة من يستغل شهرتهما لإجراء مقاربات سياسية للمغامرات الشهيرة، ينسجها البعض وفق"رغباته"أحياناً، أو تطورات الأحداث الجارية حوله. فأحد المواقع الالكترونية نسب إلى أحد القائمين على شركة"وورنر بروذرس"، المنتجة للمسلسل الكرتوني الأكثر شهرة وشعبية في العالم، مقاربة سياسية مفادها أن"توم وجيري"يبين"الصورة الحقيقية لما يجري في الشرق الأوسط. فالفأر جيري يرمز إلى إسرائيل، والقط توم يرمز إلى الدول العربية، وهو توم لا يستطيع العيش من دون الفأر لدرجة انه إذا قتله حزن عليه، وإذا استدعت الحاجة يتدخل الكلب الكبير أميركا لإنقاذ الفأر، مع العلم أن"توم وجيري"سبقا"النكبة"الفلسطينية عام 1948 بسنوات. وتبقى هاتان الشخصيتان الكرتونيتان عرضة للتأويل السياسي والمقاربة، وآخرها ما قاله المحلل السياسي الإسرائيلي ناحوم برنياع في صحيفة"يديعوت أحرونوت"الإسرائيلية في الحرب الأخيرة على لبنان، صيف 2006:"الضربات المتبادلة بين الجيش الإسرائيلى وپ"حزب الله"تذكّر بأفلام الكرتون"توم وجيري""، مشبهاً"حزب الله"بالفأر الصغير الذكي الذي خرج منتصراً على رغم إمكاناته الضعيفة، في حين بدا الجيش الإسرائيلي غبياً كالقط، على رغم قوته الظاهرة للعيان... ويقول:"يمتلك القط"توم"القوة لمواجهة الفأر"جيري"الضعيف والذكي، الذي ينجح دائماً في استفزاز توم، الذي يرد عليه بحرب شاملة، لكن الفأر يفوز عليه في كل المواجهات والحرو". وكان جوزيف باربرا، مبتكر شخصيتي"توم وجيري"مطلع الأربعينات، توفي نهاية العام الماضي عن عمر يناهز الخامسة والتسعين. أما ابتكاره فسيعيش طويلاً.