تتخلى المقاهي البغدادية رغماً عنها عن طقوسها القديمة وتقاليدها بسبب تغير نوعية الرواد وتدهور الأوضاع الأمنية لكنها لا تزال تأمل في استعادة أمجادها الغابرة. فبعد أن كانت تلك المقاهي محطات استراحة لأبناء المناطق الشعبية الشهيرة في بغداد ومكاناً لالتقاء شخصياتها باتت الآن تجمعاً للمتقاعدين والعاطلين عن العمل هرباً من ظروفهم الصعبة. كما أصبحت تقفل أبوابها مع بداية المساء بسبب تردي الأوضاع الأمنية فيما كانت سهراتها تطول في الماضي إلى منتصف الليل. ويقول محمد جبار 60 سنة مدير أحد مقاهي منطقة الكرادة وسط بغداد"كانت للمقهى أيام زمان طقوس خاصة ممتعة عندما كان محطة للراحة والالتقاء بين أبناء المحلة. أما الآن فقد اختلف الأمر فأصبح الزبائن يأتون لقضاء أوقات فراغ". وأضاف جبار الذي ورث المهنة عن والده:"كان الموظفون والشيوخ في المنطقة والشخصيات المعروفة يرتادون المقهى للتسلية بعد يوم عمل لكن هذه التقاليد اختفت في معظم المقاهي البغدادية". وغالباً ما يحتل المقهى ركناً بارزاً من السوق أو الشارع ويديره كهل متمرس في عمله جالساً على أريكة في المدخل وأمامه"صينية"كبيرة لجمع النقود التي يرميها الزبون قبل خروجه من المكان. ومنطقة الكرادة شهيرة بمقاهيها. فهناك مقهى"حسين الحمد"الذي تحول إلى أفران بعد أن هجره رواده لقربه من جسر المعلق حيث يوجد مقر للقوات الأميركية. ويتميز المقهى بأرائك خشب تراثية رصفت ضمن نسق معين تشكل حلقات مربعة أحياناً تتوسطها منضدة صغيرة لوضع أكواب الشاي أو المثلجات في حين وضعت على الأرائك حصر من القصب صيفاً وبسط ملونة شتاء. ويتفنن أصحاب المقاهي في إبراز مكان تسخين أباريق الشاي والماء الذي يعرف باسم"الوجاق"حيث تصطف الأباريق وإلى جانبها"السماور"لغلي الماء. ويكون صاحب المقهى عادة من الوجهاء والكرماء يعاونه رجل يسمى"الخلفة". وبعد دخول الزبون المقهى وجلوسه على الأريكة أو التخت يتقدم منه"الخلفة"ليلقي عليه التحية والسؤال عن حاجته من الشاي أو الشاي الحامض وهو منقوع ليمون البصرة ويعرف في العراق ب"نومي بصرة"ويستورد عادة من سلطنة عمان أو سورية. وتتوافر في بعض المقاهي القديمة وسائل تسلية مثل طاولة النرد والدومينو في حين تغيب في مقاه أخرى حرصاً من أصحابها على الهدوء وعدم ارتفاع الأصوات خصوصاً مع الحوارات الأدبية والشعرية والسياسية والاجتماعية. ويرى غنى صبري 55 سنة مدير أحد مقاهي منطقة الزاوية أن"عمل المقاهي اختلف الآن كثيراً إذ تخلى بعضها إن لم يكن معظمها عن العادات والتقاليد ولم تعد مكاناً لجلوس الكبار والشيوخ". ويضيف أن"الشبان يجلسون أحياناً في المقهى لقضاء الوقت ولعب الطاولة أو الدومينو وهناك من أدخل لعب الورق أيضاً الأمر الذي يسرع القضاء على العادات القديمة التي كانت تزخر بها مقاهي أيام زمان". وتطلق على المقاهي أسماء أصحابها أو أسماء المناطق التي تتواجد فيها فضلاً عن مقاه عرفت بأسماء شخصيات أو شعراء وأدباء بينها مقهى الزهاوي أو الرصافي قرب منطقة الميدان ومقهى خليل وعزاوي في منطقة الفضل، أعرق المناطق الشعبية في بغداد. وبرزت مقاه مثل حسن عجمي والشهبندر وهما من المقاهي الأدبية، والبرلمان والبرازيلية والمربعة وقد تحول الأخيران إلى مخازن ومستودعات وكذلك مقهى أم كلثوم. والشهبندر هو أقدم مقاهي سوق السراي قرب شارع الرشيد وكان حتى آذار مارس الماضي مكاناً لتجمع الأدباء والكتاب. لكنه تحول إلى ركام بسبب حادث تفجير شارع المتنبي.