قبل سنوات لم تكن مألوفة رؤية الشباب والفتيات في مقاه مختلطة في بغداد، لكن هذا الأمر بات حقيقة اليوم بعدما فتحت مجموعة من المقاهي أبوابها امام الجنسين على النقيض من المقاهي الشائعة في المناطق الشعبية والتي لا يرتادها الا الرجال. الكرادة، الحي الذي تعرف عليه العالم من خلال الأحداث الأمنية والتفجيرات المتلاحقة والذي يضم خليطاً سكانياً من مختلف الأديان والمذاهب والأطياف والأيديولوجيات هو المكان الذي فتح فيه أول المقاهي أبوابه امام الشباب والفتيات قبل ان تنتشر مثيلاته في المنصور والربيعي ومناطق أخرى. «مقهى رضا علوان» و «قهوة وكتاب» من أكثر المقاهي جذباً للشباب في حي الكرادة، وهي ليست تقليدية كما عهدها العراقيون. فإلى جانب المشروبات المتنوعة يمكن للشباب قراءة الكتب المجانية التي وضعت في المكان على الرفوف وأن يتناقشوا في أمور حياتهم اليومية مثلما يتناقشون في هواياتهم والأوضاع العامة في البلاد. لسنوات طويلة كانت المقاهي في العراق خاصة بالرجال ولا يسمح للنساء بالجلوس فيها، بل لم تكن أية امرأة لتتجرأ على التفكير بذلك. وكان معظم روادها من كبار السن والمتقاعدين وبعض الشباب العاطلين من العمل. وقبل سنوات مضت بدأت بعض المقاهي النسائية تفتح أبوابها امام الفتيات فقط فجاء رد الفعل الأول مزيجاً من الاستغراب والتساؤل والاستنكار. فما حاجة المرأة للجلوس في مقهى؟. لكن بمرور الأشهر والسنوات باتت تلك المقاهي مقبولة حتى في المدن المحافظة دينياً مثل كربلاء والنجف، إذ باتت النساء ترتادها من دون أي حرج واستخدمتها الفتيات للاحتفال ببعض المناسبات الخاصة مثل عيد ميلاد او نجاح او تخرج, ثم ظهرت المقاهي المختلطة. وجود مقاه مختلطة تستقبل الجنسين هو امر غير معتاد، لكنه بات يدخل في طور الطبيعي اليوم, لا سيما ان بعض تلك المقاهي يقع في أماكن مكتظة بالمتسوقين والأهالي ومنها «مقهى رضا علوان» على سبيل المثال، الذي يجلس بعض رواده على الرصيف المجاور لشارع الكرادة. وبذلك باتت رؤية زبائن المقاهي في شكل علني وواضح وهم يتبادلون الأحاديث ويطلبون المشروبات الساخنة والباردة وحلويات أو اطعمة اخرى امراً عادياً بالنسبة الى المارة. تلك المقاهي شجعت زملاء العمل والأصدقاء وطلاب الجامعات على ارتيادها في أوقات الفراغ، بل باتت مكاناً يستدل به الأصدقاء على نقطة لقاء، لاسيما أن غالبية من يرتادونها هم من الشباب المثقفين والمتقاربين فكرياً وقدرة اقتصادية. فمن النادر ان يجلس كبار السن في تلك المقاهي أو يجتمعون فيها لساعات طويلة كما يفعلون في المقاهي الشعبية، ذاك ان نظام ال «كوفي شوب» هو بحد ذاته خرق لفكرة المقهى التقليدي الذي يحتوي على أشياء مهمة اعتادوها مثل الشاي والحامض وهو مشروب ساخن يصنع من الليمون الهندي ولعبة الطاولة التي يتسلى بها العاطلون من العمل والمتقاعدون على حد سواء. رواد المقاهي المختلطة هم شباب منتجون عاملون يستطيعون دفع ثمن فنجان قهوة ضعف ثمنه في مقهى عادي, فلقاؤهم هنا هو بمثابة وقت مستقطع للاستراحة او مكان لإبرام صفقة صغيرة في العمل او لمناقشة قضايا الدراسة او الهوايات. ومن النادر ان يدخل العاطلون من العمل الى هذا النوع من المقاهي لأنها مكلفة. كما انهم لا يستطيعون قضاء ساعات طويلة في تحريك احجار الطاولة والرهان على الفوز والخسارة مثلما يفعلون في المقاهي التقليدية.