على دكة يتجاوز طولها 3 أمتار، يجلس عبدالله الماجد (77 سنة)، إلى جانب عدد من رفاقه المسنين. فيما يتوسد جدار المقهى الشعبي، ويسرح بفكره بعيداً، مسترجعاً بعض ذكرياته القديمة، وبعض الراحلين ممن كانوا يجالسونه على الدكة. فيما تتناغم أصوات الملاعق الصغيرة وهي تقارع أكواب الشاي محدثة أصوات «موسيقية متجانسة»، وتتبدد هذه الصور مع ارتفاع أصوات الحاضرين وهم ينادون «استكانة شاي أبو علي»، أو «فنجال قهوة»، أو حين ينطلق تعليق على بعض الأخبار «الطازجة» التي ينقلها الحاضرون في ساعات الصباح الأولى. وشكلت المقاهي الشعبية منذ مئات السنين مصدراً رئيساً للأخبار بمختلف صنوفها، حتى ما بعد مرحلة انتشار أجهزة المذياع والتلفاز تدريجياً، قبل سنوات. «إلا أننا لم نكن نعتمد اعتماداً مباشرة على ما نسمعه، بل كنا ننتظر أذان الصباح، حتى نذهب إلى المقاهي، لنسمع الأخبار والأحداث من الحاضرين»، بحسب حسين السنان. وعلى رغم تعدد وسائل الإعلام حالياً، إلا أن عدداً من كبار السن، يحرصون على الاستماع إلى الأخبار والأحداث الاجتماعية من المقاهي الشعبية، التي شهدت انحساراً وانقراضاً تدريجياً. إلا أن مقهى «الغراب» في محافظة القطيف، لا يزال يحافظ على مكانته، وأيضاً بهوية المقاهي القديمة وطرازها المعماري. ويستقبل صاحب المقهى حسن الغراب (77 سنة) زبائنه منذ أكثر من 48 سنة، في الموقع ذاته. ويحتل هذا المقهى، أو بحسب ما يسميه رواده ب«القهوة»، مكانة تاريخية مميزة في تاريخ القطيف، حتى أن العلامة الشيخ حمد الجاسر، ذكره في أحد كتبه، ووصفه بأنها «قهوة شهيرة في القطيف، وهي ملتقى الأدباء والتجّار والأعيان وشيوخ القبائل، وهي عبارة عن دهليز مستطيل المدخل كان متصلاً بسوق الخميس». ويعني به المقر القديم للسوق قبل أن يُنقل إلى مقر آخر. ويوم آخر وهو السبت، وإن حافظ على المسمى ذاته. ويعج المقهى حالياً، بكبار السن والمتقاعدين، وبعض الوجوه الشابة التي ألفت هذا المكان. ويقصده الجميع لشرب الشاي والقهوة، والحديث عن الذكريات القديمة. إلا أن عدداً من الرواد لا يزال يلتزم بالحضور صباحاً، لسماع الأخبار المختلفة، وهذه العينة من الرواد على هذا الحال منذ أكثر من نصف قرن. ويقول علي حسن: «أنا من رواد هذا المقهى منذ سنوات طويلة، وأحرص على الحضور اليومي، لتناول الشاي والقهوة. إلا أن الهدف الرئيس لحضوري هو الالتقاء بالناس، خصوصاً أبناء جيلي، بعد أن تقاعدت منذ سنوات طويلة، لكنني أتحسر على ماضينا الجميل، خصوصاً أن المقاهي كانت منتشرة في جميع مناطق القطيف. ولم تكن محصورة في منطقة معينة» على حد تعبيره. وأشار إلى أن المقاهي الشعبية هي «متنفس للجميع، وتشكل لنا مصدراً مهماً لمعرفة أخبار المنطقة وأحداثها. وكنا نحرص على الوجود في المقاهي الشعبية قبل ذهابنا لأعمالنا، من أجل شرب الشاي، وسماع هذه الأخبار. فيما تتناقل بعدها وتصل إلى الأهالي من شخص إلى آخر». وطالب مهتمون بضرورة «إطلاق الهيئة العامة للسياحة والآثار، مبادرة للحفاظ على قهوة «الغراب»، باعتبارها الإرث المتبقي من المقاهي الشعبية في محافظة القطيف».