حبيبة أحمد المتنبي هذا هو الاسم الموقت، اسم الدلال، الذي كنت به أنادي أوراق روايتي، "يوم الدين"، وفصولها قبل صدورها باسمها الرسمي. فحبيبة أبي الطيب، وحبيبة الشيخ الفصيح اللسان راوي الرواية، هي من النساء العربيات القليلات المتجرئات على مناداة شاعر شعراء العربية كما ننادي أندادنا اليوم، بأسمائهم لا بكناهم وألقابهم. التقت حبيبة أحمد، بطلتي، بشيخها، بطلي، إمام مسجد العمرين أو الغرباء، مقترحة عليه المشاركة في مشروع معجمي نقدي ينفض ما تراكم من غبار وأفكار مسبقة عن هذه الهامة العالية المثيرة لجدالات محمومة طاولت اللغة والنسب والسياسة، وعبرت جحافل القرون ولم تتغضن بعد. بسبب الشاعر السلطان تدانى بطلا يوم الدين وعاشا مواقعات سياسية عاطفية ودينية شتى، بيد أنهما كانا دوماً يتوكآن عليه، ويحاجّانه، كلّ على طريقته، فهما مثل أحمدهما، شراة، لا يخشيان الخروج عن طاعة الكلام الفصل المسفه والمنفّل لكل كلام قد يأتي بعده. طاعن أحمد المتنبي كلاماًَ هائلاً سبقه ونجح في فرض طغرائه على غرة العربية. كيف نجح وما سرّ مواهبه المقترنة بالعُظام الميغالومانيا بلغة علم النفس والتقشف وحب السلطة والمال؟ قيل وكتب الكثير عن خاتم الشعراء المؤسسين، وما اكتشفته بطلتي، جليسته، قمين بأن يتظهر ذات يوم في كتاب. فعلاقته بعثمان، عثمان ابن جني، وحميمُ ما جمعه بسيف الدولة، لم يدونا بعد. فعسى ألا يكون بطلي، شيخي، قد استأثر ببطلتي، ولعلها مكبة اليوم على إتمام ما وعدت به... وإلى أن تتظهر مباحثها، لا بد من التأكيد على عناد المتنبي ومقدرته على السريان، شاء المهلهلون أو أبوا، في شرايين لغتنا وحضارتنا المصابتين بشتى الأمراض. ها دماء أحمد المتنبي سائرة في عروق لغة وأمة قال عنها شاعرها إنها أضحكت من جهلها الأمم! لو عاد إلينا حبيب العربية والشيم على صهوة ميمية من ميمياته لورد زئير احتجاجه الفرات والنيل! لسمعناه يقول:"وا حر قلباه."وا حر أفئدتنا جميعاً! ما لنا، أصخور نحن؟ وهل تحجّر العقل فينا إلى أبد الدهر؟وأين بيت قصيدنا اليوم ونحن في أعماق الحضيض؟ وأسمعه يجيب:"أماتكم من قبل موتكم الجهل"! وضع الشاعر الرؤيوي إصبعه في الجرح"فالجهل والتجهيل عدوان لدودان و أرجح أن محاربتهما لا تكون ببيض الهند والقنابل النووية المستوردة، بل بأقلام تجرح وتبلسم وتدنو من أنة العدو والصديق، أقلام مبتغاها، على حد قوله، أبعد من ألمع ثريا! * روائية وناشرة لبنانية