كان الشيخ عبدالعزيز بن عبدالعزيز بن ماضي يعتبرني صديقاً له على رغم فارق السن الذي تجاوز بضعة عقود. وآل ماضي أمراء"حوطة سدير"، وهي بلدة تقع شمال غرب الرياض. وفي هذه البلدة ولد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري على رغم أنه عاش الجزء الأهم من حياته في"المجمعة"التي لا تبعد كثيراً عن"حوطة سدير". وبعد أن التقيت الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري للمرة الأولى على إحدى طائرات"الخطوط السعودية"المتجهة من جدة إلى الرياض هالني أن يكون الهم الأول لرجل في سنه، ليس شؤونه الخاصة، وإنما آلام وآمال الأمة العربية. وكنت في وقتها عميداً لكلية الإدارة الصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، ففاجأني رجل لم يتلق أي دراسة منهجية من أي نوع، ولا يعرف شيئاً عن أي لغة أجنبية، ومع ذلك يتحدث بلغة راقية بليغة وبمعرفة مُتَعمقة في شؤون تاريخ الجزيرة العربية، دع عنك ما كان يستشهد به من أبيات الحكمة للمتنبي وللمعري ولغيرهما وغيرهما. ولم تسمح الرحلة القصيرة التي لم تتجاوز 90 دقيقة في عام 1980، أن أسأل الشيخ الجليل، وقد كان شيخاً منذ ذلك الوقت وقبله، سناً وعلماً، ولذلك سألت صديقي الشيخ ابن ماضي الذي كنا نسميه الأمير، ليس لأنه من أمراء"الحوطة"فحسب، ولكن لأنه فعلاً تولى الإمارة في"وادي الدواسر"وفي"ضبة"وفي"الخبر"، عن الشيخ التويجري، فقال لي: أنا لا أعرفه فحسب، وإنما نحن مولودان في البلدة نفسها ومتقاربان في السن حتى إن كان عبدالعزيز التويجري أكبر مني بفارق صغير. وسبقني ابن ماضي الى الحديث عن صديقه التويجري رحمهما الله جميعاً، قبل أن أسأله أي سؤال محدد، وقال: منذ كنا مراهقين كان التويجري أحرصنا على المعرفة، وبالذات معرفة التاريخ والتأمل الفلسفي، وهو ما قاده إلى المتنبي والمعري. وقد كان معظمنا - أي نحن أبناء"المجمعة"و"الحوطة"و"الغاط"وبقية جيراننا - نهتم جداً بما يروى لنا وبما كنا نعرف بصفة شخصية عن عبقرية الملك عبدالعزيز، وما عاناه من ظروف صعبة لتوحيد المملكة العربية السعودية وتأسيسها. ومن منحه الله منا القدرة على حفظ الشعر كان يهتم ويحفظ شعراً أمثال راكان بن حثلين وتركي بن حميد وعبدالمحسن الهزاني وابن لعبون والقاضي والوقداني والشريف بركات. أما عبدالعزيز التويجري، فعلى رغم تذوقه وحبه للشعر المحكي الممتاز، فكان شغفه بالشعر العربي الفصيح، وبخاصة المتنبي والمعري، وقد حفظ ربما كل ما وصله من شعرهما قبل أن يناهز العشرين. بالطبع توثقت علاقتي بالوالد الشيخ عبدالعزيز التويجري بعد لقائي به للمرة الأولى قبل ربع قرن. ومع انه - رحمه الله - كان يعزو كل ما يعرفه عن الأدب والشعر والتاريخ، إلى رجل كهل التقاه في صغره، فربما أن ذلك كان من قبل الاعتذار إلى من يفاجئهم عمق معرفته وسبقه لأنداده، بخاصة من ناحية انشغاله، رحمه الله، بشؤون وشجون أمته، في وقت كان الكثيرون ممن كانوا في سنه لا تتجاوز همومهم توفير لقمة العيش وشؤون بلداتهم الصغيرة التي يعرفون معرفة شخصية معظم أسماء سكانها. وحينما كنت أزوره، كنت اختار الأيام والأوقات التي لا يكون عنده في وقت زيارتي له أكثر من بضعة زوار آخرين، كلهم من المهتمين بالأدب والتاريخ وعلوم العصر الأخرى من سياسية واقتصادية وغيرها. وقد كنت أقول له، رحمه الله: أستطيع يا شيخ عبدالعزيز أن أعرف أنك تعلمت شيئاً من ذلك الكهل الذي عرَّفك على المتنبي والمعري، ولكن أن يكون ذلك الرجل الذي تلقّى شيئاً من التعليم في"الزبير"في العراق حينما لم يكن يوجد في الجزيرة العربية كلها متعلمون باستثناءات قليلة في البحرين والكويت، هو مصدر كل ما تعرف، فهذا أمر يصعب تفسيره على من تلقوا تعليماً منهجياً. هل من المعقول أن رجلاً واحداً حتى لو كان أستاذاً جامعياً مؤهلاً في جامعة مميزة في أوروبا أو أميركا، ما استطاع أن يغرس في نفسك هذه الدرجة من التعمق في معرفة ما تعرف؟ وأعطيته أمثلة، حينما يسألني عن جامعات أميركية - غير المشهورة ك"هارفارد"و"جون هوبكنز"? ، أو حينما يسأل عن اسم عضو في مجلس الشيوخ الأميركي من ولاية صغيرة في وسط أميركا كولاية كانساس أو ايوا أو نبراسكا. رحمك الله يا أبا عبدالمحسن، لقد عشت قرناًً من الزمن وسبقته بقرون بمعرفتك وباهتماماتك وبتأملاتك وبما ألفته عن بطل حياتك الملك عبدالعزيز - أسكنه الله فسيح جناته - من مؤلفات موثقة متعمقة ومكتوبة بأسلوب أدبي راقٍ يعجز عن محاكاته الكثيرون من الأساتذة الجامعيين. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.