تبحث نسبة مهمة من المستثمرين في الأسواق المالية في المنطقة عن العائد من دون معرفتهم بأخطار الاستثمار. ومن بديهيات الاستثمار في الأسواق المالية أن ارتفاع العائد يترافق عادة مع ازدياد الأخطار، والمقصود احتمالات الخسائر. والأخطار المتعلقة بالاستثمار في الأسواق المالية متعددة ومتنوعة، سواء كانت نظامية أو غير نظامية. وتؤثر الأخطار النظامية عادة في أسعار أسهم كل الشركات المدرجة في الأسواق المالية من دون استثناء، وهي تتعلق بأحداث سياسية أو عسكرية أو أمنية أو هزات أرضية أو أعاصير، أو غيرها من الأحداث الاجتماعية والاقتصادية. ولاحظنا تراجع سوق مسقط بنسبة تزيد على 3 في المئة عند افتتاح السوق في اليوم الأول من التداول بعد انتهاء الإعصار الذي تعرضت له عُمان. ولاحظنا أيضاً التأثير السلبي لأحداث سياسية وعسكرية في المنطقة على أداء بورصات الخليج، وكان آخرها التصعيد السياسي والعسكري بين إيران والولايات المتحدة. كما نلاحظ التأثير السلبي لأحداث لبنان على أداء بورصة بيروت، وأحداث فلسطين على أداء بورصة فلسطين. ولذا يفترض بالمستثمر في الأسواق المالية أن يكون قادراً ومستعداً لتحمل أية أخطار، على اعتبار أن الأسواق المالية من أكثر الأسواق حساسية تجاه الأحداث. ونلاحظ تفضيل بعض المدخرين استثمار أموالهم في الودائع لعدم قدرتهم أو عدم رغبتهم في تحمل الأخطار، فضلاً عن معرفتهم المسبقة بالعائد على هذه الوديعة وسهولة استرداد أمواله. في حين تبدأ أخطار الاستثمار في الأوراق المالية الأسهم من عدم التأكد أو عدم معرفة العائد المتوقع من استثماره إذا كان سيتحقق أو لا بسبب الأخطار المختلفة المحيطة بالاستثمار في الأسواق المالية. ومن الأخطار التي يتعرض لها المستثمرون في أسواق المنطقة التأرجح الحاد الذي تشهده أسعار أسهم الشركات المدرجة، والتقلبات الحادة في الأسواق التي تدفع عادة أعداداً كبيرة من المستثمرين إلى التصرف وفق عواطفهم وليس عقولهم. كما أن سيطرة المضاربين على حركة الأسواق في بعض الأسواق الخليجية والعربية ترفع مستوى الأخطار، حيث يدفع المضاربون عادة أسعار أسهم بعض الشركات إلى مستويات غير عقلانية وغير منطقية، لا تتناسب مع مستوى أداء الشركات أو القيمة الحقيقية لأصولها. كما أن ضعف الاستثمار المؤسسي في بعض أسواق المنطقة يرفع مستوى الأخطار، باعتبار أن سيولة الاستثمار المؤسسي عقلانية، وتستند قراراته إلى مؤشرات مالية وربحية وأدوات تقويم محترفة تدفع بالأسعار نحو قيمتها العادلة. ويرفع ضعف الإفصاح والشفافية واحتكار المعلومات مستوى الأخطار، لأنها تؤثر في مستوى كفاءة هذه الأسواق باعتبار أن الأسواق المالية آلية مناسبة لتسعير الأسهم. كما تتأثر الأسعار بكمية المعلومات المتدفقة إلى المستثمرين من حيث جودتها وتوقيتها وعدالة الحصول عليها. ولا يشمل الإفصاح ذلك الدوري عن أداء الشركات فقط أي كل ثلاثة شهور، بل أيضاً الإفصاح الفوري عن أية معلومات جوهرية تؤثر في سعر أسهم الشركات سواء إيجاباً أو سلباً، بحيث لا تعطى الفرصة للمطلعين أو غيرهم لاستغلال هذه المعلومات وتحقيق مكاسب أو تجنب خسائر على حساب بقية المتعاملين في الأسواق. فضلاً عن اعتماد عدد كبير من المتعاملين في الأسواق على الإشاعات والمنتديات في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية، إضافة إلى انخفاض مستوى الوعي الاستثماري. كل ذلك يساهم في رفع مستوى أخطار الاستثمار في الأسواق المالية. لذا ننصح المستثمرين باستثمار جزء من مدخراتهم في الأسواق المالية، بحيث تكون الأموال المستثمرة فائضة عن الحاجة، مع قدرة المستثمر على تحمل أخطار خسارة جزء من أمواله المستثمرة، إضافة إلى أهمية تنويع استثماراته في الأسواق، بحيث يختار عدداً من أسهم الشركات المختلفة ومن قطاعات مختلفة، بعد التأكد من قوة هذه الشركات وارتفاع مستوى سيولتها وكفاءة إدارتها وقدرتها على تحقيق العائد الذي يطمح الى تحقيقه وبدرجة أخطار معقولة. يُضاف الى ذلك أهمية المزج بين الأدوات المالية المختلفة من الأسهم والسندات والعقار وصناديق الاستثمار لتنويع الأخطار، مع أهمية متابعة المعلومات التي تنشرها الشركات والتي يمكن من خلالها متابعة أدائها وتقويمه، مع الاستفادة من نتائج الدراسات التي تقوم بها المؤسسات المالية المتخصصة لتقويم الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة. ويساهم ارتفاع سعر الفائدة على الودائع ومستوى التضخم في رفع مستوى الأخطار في الأسواق المالية، لأن ذلك يتطلب ارتفاع مستوى العائد المطلوب تحقيقه من الاستثمار في الأسهم. كما أن هناك أخطاراً تتعلق بأحداث غير متوقعة، خصوصاً بأعمال الشركات. ومثال على ذلك القرار الذي اتخذته حكومة الإمارات والقاضي بكسر احتكار مؤسسة الاتصالات للقطاع، حيث انخفض سعر سهم الشركة بنسبة تزيد على 30 في المئة خلال أسبوع. * مستشار بنك أبو ظبي الوطني للأوراق المالية