المستثمرون الصغار هم وقود الأسواق المالية ومصدر نشاطها. وكلما زاد عددهم واتسعت قاعدتهم، زاد عمق الأسواق وارتفع مستوى كفاءتها ونشاطها، وتوزعت مكاسب التنمية في البلاد على أكبر عدد ممكن من المستثمرين، وارتفع مستوى معيشتهم وتنوعت مصادر دخلهم. وارتفاع مكاسب الأسواق المالية يقابله ارتفاع في مستوى الأخطار، وبالتالي يلعب الوعي الاستثماري دوراً مهماً في تقليصه وفي ارتفاع العائد عند الاستثمار في الأسواق. وتشير معلومات إلى أن أكثر من ثمانية ملايين مستثمر دخلوا الى أسواق الأسهم في المنطقة خلال عامي 2005 و2006، بإغراء من المكاسب الكبيرة التي حققتها أسواق المنطقة خلال عامي 2004 و2005، وفي المقابل محدودية الفرص الاستثمارية البديلة والانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع. كما شجعهم على ذلك طرح أسهم شركات مساهمة عامة بالقيمة الاسمية وفي قطاعات استراتيجية، وإعطاء الأولوية في التخصيص للمستثمرين الصغار لمساعدتهم على توظيف أموالهم. وتلفت في هذا السياق، الإستراتيجية التي اتبعها معظم هؤلاء المستثمرين، والتي تتركز على المضاربة في الأسواق بهدف تحقيق مكاسب مالية سريعة من دون أخذ الأخطار المترتبة عن ذلك في الاعتبار. ذلك أن المضاربة في الأسواق ليست قرارات عشوائية بل لعبة لها قواعدها ولاعبوها الذين يعرفون كل فنونها وتوقيت الدخول الى الأسواق والخروج منها. وعلى رغم أن الاستثمار في أسواق الأسهم في طبيعته طويل الأجل ومكاسبه ترتفع كلما طالت فترة الاحتفاظ بالأسهم، وحيث تتوزع مكاسب الاحتفاظ بالأسهم بين الأرباح النقدية السنوية التي توزعها الشركات. تضاف اليها الأسهم المجانية التي توزعها كل عدد معين من السنوات، والمكاسب الرأسمالية من الفارق بين سعر الشراء وسعر السوق، وبالتالي تؤخذ في الاعتبار المؤشرات المالية ومؤشرات الربحية والنمو لدى اتخاذ قرارات الاستثمار بالنسبة الى المستثمرين على الأجلين المتوسط والطويل. في حين يتجاهل المضاربون هذه المؤشرات بسبب محدودية فترة الاحتفاظ بها، والتي تصل في بعض الأحيان إلى ساعات محدودة ولا تتجاوز أياماً معدودة. ويشار هنا الى موجات التصحيح المتتالية التي تعرضت لها أسواق المنطقة، خصوصاً أسواق الأسهم السعودية والإماراتية وسوق الدوحة وبورصتا الأردن ومصر خلال العام الماضي وبداية هذا العام، وما ترتب عليها من خسائر جسيمة لشريحة المستثمرين الصغار من المضاربين، سواء خسائر فعلية ناتجة من الفارق بين سعري الشراء والبيع أو خسائر دفترية بالنسبة الى المضاربين. وتمثل هذه الخسائر الفارق بين سعر الشراء وأسعار هذه الأسهم في السوق. وأدت إلى انسحاب تدريجي للمضاربين في الأسواق بعدما جفت منابع السيولة لديهم، وبعدما خسر بعضهم معظم مدخراته وفقد البعض الآخر عمله بعدما تفرغ للمضاربة في أسواق الأسهم. وحيث كانت لهذه الخسائر تأثيرات سلبية اجتماعية واقتصادية ونفسية على شريحة كبيرة من المضاربين في الأسواق، تعكس مؤشرات أداء الأسواق انحسار قاعدة المستثمرين والمضاربين، إذ يوجد فارق واضح وكبير بين حجم التداول خلال هذه الفترة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2005، إضافة إلى الفارق الكبير في عدد الصفقات المنفذة وعدد الأسهم المتداولة. كما نلاحظ محدودية المضاربين المتواجدين في مكاتب الوسطاء وقاعات التداول، مقابل اكتظاظ هذه الأماكن بهؤلاء المضاربين في سنوات سابقة. إذ تشير بعض المعلومات إلى خروج أكثر من نصف المستثمرين الذين دخلوا الأسواق خلال الفترة التي أشرنا إليها. والمسؤولية الملقاة على عاتق هيئات الأوراق والأسواق المالية في المنطقة للحفاظ على قوة الأسواق وكفاءتها وقيامها بالدور المطلوب منها، من حيث زيادة كمية المصادر المالية المتاحة وتقنية وتوجيه مدخرات الأفراد، وعدالة تحديد أسعار الأسهم، تتركز خلال هذه الفترة على الحفاظ على ما تبقى من مستثمرين في هذه الأسواق، والمساهمة في عودة من خرجوا منها، من خلال دفعهم للعمل بالأسس السليمة للاستثمار في أسهم الشركات المدرجة، وتوعيتهم على مكاسب الاستثمار وأخطاره في هذه الأسواق. * مستشار"بنك أبو ظبي الوطني"للأوراق المالية