أصاب الديموقراطية التركية شلل مفاجئ وغير متوقع، يشبه الرعد في سماء صافية. فتدخل العسكر والدولة التركية العميقة الديبلوماسية والشرطة والقضاء والجهاز الجامعي في سياق ازدهار اقتصادي وسلم أهلي، سابقة أولى في بابها. وكان حزب العدالة والتنمية أفلح في التحول حزباً محافظاً أوروبياً،"ديموقراطياً - إسلامياً"، فخال أن في وسعه بلوغ الرئاسة الأولى الرمزية، وإنجاز تربعه في سلة الهيمنة على المجتمع التركي، من غير حاجز يحول دون بلوغه غايته. ولكن الجنرال بيوكانيت رئيس الأركان شل الانتخابات الرئاسية في البرلمان، وامتنع من التورط المباشر. فخدع خصومه، وهم على يقين من استحالة إقدام الجيش على سد الباب بوجه دخول تركيا الاتحاد الأوروبي من طريق انقلاب عسكري، على جاري سُنّة سلفت. ولكن هذا اليقين أعمى حزب العدالة والتنمية عن تنازع الرأي العام التركي. فالعلمانيون هم الكثرة الغالبة. وفوق نصف ناخبي حزب العدالة والتنمية لا يقرون فرض الشريعة. و60 في المئة من الأتراك اقترعوا لأحزاب مدنية وزمنية، حال بينها وبين غلبتها على البرلمان تخبُطها وانقسامها المزمنان، وسنُ قانون مناوئ للأكراد يحظر تمثيل الحزب الذي يحظى بأقل من 10 في المئة من أصوات الناخبين. فما كان على العسكريين إلا تقطيب الحاجب حتى ملأ المتظاهرون الشوارع والساحات. ولم يبق لحزب العدالة والتنمية إلا اللجوء الى صناديق الاقتراع. ولا يبعد أن تخرج من الانتخابات الوشيكة معادلة برلمانية افضل من المعادلة السابقة، فيضطر حزب العدالة والتنمية الى التحالف مع حزب ليبرالي ومحافظ حقيقي، ويعجل تحالفه ولاءَ المسلمين للدولة الكمالية، واندراجهم فيها. وحين تبلغ الأزمة التركية خاتمتها، فقد يسفر دور السعي التركي في دخول أوروبا، منذ 15 عاماً، عن خدمته الديموقراطية. عن ألكسندر أدلر ، "لوفيغارو" الفرنسية ، 5/5/2007