دارت الانتخابات التركية التشريعية الاخيرة في جو من التوتر والعنف لم تشهد تركيا مثله من قبل. ويبعث التوتر هذا على الدهشة، في وقت لن تختلف نتائج الانتخابات اختلافاً كبيراً عن نتائجها في 2002 و2007، يوم بلغ حزب العدالة والتنمية سدة السلطة مرتين. ومضى على حكم الحزب هذا عقد، ولم يسهم الحكم هذا في بروز حركة سياسية جديدة، سواء كانت الى اليمين أم الى اليسار. فالمشهد السياسي التركي ثابت ومستقر منذ 2002، وهو قطع مع عهد الحكومات الائتلافية بين مجموعة كبيرة من الاحزاب الليبرالية واليمين الوسطي والاجتماعية الديموقراطية. ولكن بقاء النتائج على حالها مضلل. فنتائج انتخابات 12 حزيران (يونيو) مصيرية. وهي تعيد توزيع مقاعد المجلس النيابي ال550، في وقت ينتظر أن ينظر المجلس هذا في اصلاح دستوري هو مدار النقاشات، منذ الاستفتاء على تعديل الدستور جزئياً في أيلول (سبتمبر) 2010. والتزم «حزب العدالة والتنمية» منذ بلوغه السلطة قبل عشر سنوات صوغ دستور جديد واستبدال الدستور الذي وضعه العسكر في 1982، بعد عامين على الانقلاب العسكري. ولا يطعن طرف سياسي في الحاجة الماسة الى دستور جديد «مدني». ولكن الخلاف هو على موعد صوغه. فإثر الاستفتاء في 2010، أعلن حزب «السلام والديموقراطية» الكردي و «حزب الشعب الجمهوري» العزم على مباشرة صوغ دستور جديد. ولكن حزب الاكثرية أرجأ الامر الى ما بعد الانتخابات التشريعية في انتظار حصول «العدالة والتنمية» على شطر كبير من النواب لإعداد الدستور الجديد وإقراره من غير الاضطرار الى المساومة والاتفاق مع حزب سياسي آخر. فالدستور الحالي يجيز تعديل الدستور وتغييره بإجماع غالبية الثلثين في المجلس النيابي. ورمى حزب «العدالة والتنمية» الى نيل 367 مقعداً في البرلمان الجديد. ولكن يبدو أن الحظ لن يسعفه في مسعاه. وتفترض حيازته 367 مقعداً عجز «حزب الحركة القومية» عن دخول البرلمان وفشله في حيازة 10 في المئة من الاصوات على الصعيد الوطني. وفي معظم المدن التي يتصدر فيها الحزب القومي، يحل حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثانية، على رغم أن أردوغان تبنى خطاباً يميل الى القومية، وحصد 58 في المئة من الاصوات التي اقترعت بنعم على تعديل الدستور في معاقل الحزب القومي، في 2010. وفي الاشهر الاخيرة، مني «حزب الحركة القومية» بضربة كبيرة. فسلسلة من الفضائح حمت 10 من قياداته على الاستقالة. واتهم الحزب هذا الحزب الحاكم بالتآمر على تقويض شعبيته. ولكن شعبية حزب الحركة القومية لم تنحسر. والانتخابات الاخيرة امتحنت حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي المعارض. فزعيمه كمال كليجدار اوغلو انتهج نهجاً قطع مع نهج سلفه العلماني الاستبدادي والعسكري القومي الذي يهمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وكليجدار اوغلو ينحاز الى النقابات والعمل، ومد اليد الى الاكراد. ومال خطاب الحزب الكمالي هذا الى اليسار. واقترح الحزب هذا عدداً من البنود لمناقشتها في مشروع الدستور، على خلاف الحزب الحاكم الذي التزم الصمت ولم يقترح أي صيغة على التداول بعد. والحق أن الغائب الاكبر عن الحملة الانتخابية هو مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. * باحثة، عن «معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية - إيريس» الفرنسي، 13/6/2011، اعداد منال نحاس